خلاصة تنفيذية
تلبية للدعوة التي أطلقها ( تجمع سورية الأم) وبالتعاون مع جامعة دمشق، انعقد المؤتمر الاقتصادي الأول في رحاب جامعة دمشق يومي السبت والأحد 16 – 17 /12/2017 تحت عنوان :
“نحو رؤية اقتصادية وطنية لسورية المستقبل”
حضر المؤتمر العديد من الأكاديميين والباحثين والمثقفين وبعض المهتمين، وقد تضمن المؤتمر سبع جلسات نوقشت خلالها ثماني عشرة ورقة حملت العناوين التالية:
1 – “التطورات في النظام الاقتصادي العالمي وتأثيرها على إعادة الإعمار والتنمية في سورية” للباحث والكاتب الاقتصادي، (الدكتور أحمد السيد النجار) من جمهورية مصر العربية، وقد قدمها وعقب عليها المفكر العربي (الدكتور جورج قرم )من لبنان.
2 – “مقاربة الاقتصادات العربية ما بعد الحروب وحركات الاحتجاج وتأثيراتها المتبادلة ” قدمها الباحث الاقتصادي (الدكتور عبد الحليم فضل الله ) من لبنان ، أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية ورئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق.
3 – “مراجعة تحليلية للسياسات الاقتصادية قبل وأثناء الأزمة وانعكاساتها على التنمية والعدالة الاجتماعية” قدمها (الدكتور منير الحمش)، رئيس الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية.
4 – “خسائر الاقتصاد السوري خلال الأزمة وأثر العقوبات الاقتصادية ” قدمها (الدكتور مصطفى الكفري) ،أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق وعقب عليها (الدكتور محمود زنبوعة)، أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق.
5 – “العلاقات الاقتصادية الخارجية قبل الحرب وخلالها ” “التجارة الخارجية” قدمتها الباحثة الاقتصادية (الأستاذة سمر قصيباتي )،وعقب عليها الباحث الاقتصادي (الدكتور شبلي أبو فخر).
1
6 – “دور الدولة في الاقتصاد” قدمها (الدكتور محمد سمير مصطفى)، الأمين العام للجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ،أستاذ الاقتصاد بالمعهد القومي للتخطيط في القاهرة.
7 – “الإدارة الرشيدة والحكومة” قدمها (الدكتور أحمد الخضر) و(الأستاذة فاتن العرق).
8 – “التنمية والعدالة الاجتماعية ” أعدها (الدكتور محمد عبد الشفيع عيسى) ، الأستاذ في معهد التخطيط القومي بالقاهرة، وقدمها نيابة عنه (الدكتور مصطفي الكفري).
9 – “ريادة الأعمال وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الوطني” قدمها (الدكتور سامر مصطفى ) ، أستاذ مساعد في جامعة دمشق، والدكتور (أيمن ديوب)، أستاذ مساعد بجامعة دمشق، وعقب عليها (الدكتور تيسير زاهر) ، عميد كلية السياحة.
10 – “الفساد كعامل معطل للتنمية والإصلاح ” قدمها الباحث (الدكتور محمد سعيد الحلبي)، مستشار وباحث في هيئة تخطيط الدولة، أستاذ محاضر في معهد التخطيط الاقتصادي والاجتماعي بدمشق، بالتعاون مع (الدكتور محمود العرق) ، رئيس تجمع سورية الأم.
11 – “المسار التنموي للاقتصاد السوري اقتصاد /ال /21 في المجال الزراعي” قدمها (الدكتور محمد الطويل)، باحث في الشؤون الزراعية، مستشار في المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد)، وعقب عليها (الدكتور رفيق الصالح) ،أستاذ في كلية الزراعة ، جامعة دمشق ، مدير عام المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة ( أكساد).
12 – “المسار التنموي في مجال السياحة” قدمها (الدكتور شعبان شوباصي) أستاذ الاقتصاد السياحي في جامعة دمشق.
13 – “المسار التنموي في مجال الصناعة” قدمها (الأستاذ فؤاد اللحام)،باحث اقتصادي ،أمين سر جمعية العلوم الاقتصادية السورية.
2
14 – “التداعيات الاجتماعية للاقتصاد السياسي النيوليبرالي في مصر”. قدمها (الأستاذ الدكتور الباحث أشرف بيومي) من جمهورية مصر العربية.
15 – “السياسات المالية والنقدية ” قدمها (الدكتور علي كنعان) أستاذ الاقتصاد والمالية والمصارف في جامعة دمشق
16 – “فكر كينز كمصدر لبرنامج وطني للإصلاح” ،حالة سورية قدمها (الدكتور ألبير داغر)، أستاذ الاقتصاد بالجامعة اللبنانية.
17 – “المسار التنموي والبيئة الاستثمارية في سورية” قدمها (الدكتور مدين دياب) ، مدير عام هيئة الاستثمار السورية .
18 – “هوية الاقتصاد السوري” قدمها (الدكتور محمود العرق )، رئيس تجمع سورية الأم وعقب عليها (الدكتور فادي عياش)، المحاضر في مجال الإدارة والتسويق.
وقد تولى إدارة الجلسات كل من:
1 – الجلسة الأولى: (الدكتور عابد فضلية) أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق، رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية
2 – الجلسة الثانية: (الدكتور كريم أبو حلاوة) أستاذ التنمية السياسية ودراسات المستقبل بجامعة دمشق.
3 – الجلسة الثالثة: (الدكتور رسلان خضور) أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق.
4 – الجلسة الرابعة: (الدكتور عدنان حميدان) أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق.
5 – الجلسة الخامسة (الدكتور إسماعيل إسماعيل) أستاذ التحليل المالي ووزير مالية سابق.
6 – الجلسة السادسة:(الدكتور محمد حسون ) أستاذ في كلية العلوم السياسية – جامعة دمشق.
7 – الجلسة السابعة: (الدكتور إلياس نجمة)، أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق.
وقدعقدت جلسة ختامية، تم خلالها تداول المقترحات والتوصيات على النحو الذي سيعرض في الخلاصة التنفيذية.
3
وعرضت الموضوعات من خلال مناقشات جادة، تناولت القضايا التالية:
أولاً: التطورات في النظام الاقتصادي العالمي والعربي وتأثيراتها:
بعد الحرب العالمية الثانية، سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية على النظام العالمي وعلى نظامه الاقتصادي نتيجة سير العمليات الحربية وانتصار الحلفاء بعد انضمام الولايات المتحدة إلى جانبهم في الحرب، وقد خرجت جميع الدول المتحاربة من الحرب في حالة من الدمار البشري والمادي، باستثناء الولايات المتحدة التي كانت جغرافياً بعيدة عن ميدان الحرب. وكانت مساهمة الولايات المتحدة بقواتها المسلحة في نهايات الحرب إيذاناً بانتهاء الحرب والانتصار على ألمانيا ودول المحور.
وقد أسهمت الولايات المتحدة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب في أوروبا عن طريق مشروع (مارشال) ، وكان هدفها الأساسي يتمحور حول إقامة نماذج اقتصادية تدور في فلكها (وقد اختارت نموذج الدولة الراعية أو الحانية الذي كان قريباً من النظام الاقتصادي الأمريكي ذو المسحة التدخلية) في مواجهة الاتحاد السوفياتي ونجاحاته التي حققها في الحرب وما بعد الحرب خاصة من خلال النجاح في إقامة النموذج الاشتراكي السوفياتي.
وأمام تنامي المعسكرين الشرقي (الاشتراكي السوفياتي) والغربي (الرأسمالي بطابعه الأمريكي) جرى استقطاب جاد لدول العالم النامي، وكان ذلك إيذاناً بقيام نظام عالمي ثنائي القطب.
وقد تركزت الاستراتيجية الأمريكية على:
1- إضعاف المعسكر الشرقي الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي.
2- منع البلدان النامية من تحقيق نهوضها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي. واستمدت الولايات المتحدة نفوذها وقوتها الاقتصادية في تطوير نشاطات الأمم المتحدة ومنظماتها ومؤسساتها بما يخدم أهدافها، ويحقق لها استمرار هيمنتها على مقدرات العالم ، وسخرت (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) كأدوات لتنفيذ سياساتها على الصعيد الاقتصادي ، إذ أمكن من خلالهما دفع البلدان النامية إلى انتهاج سياسات اقتصادية ليبرالية.
4
بعد أن اندفعت البلدان الرأسمالية الغنية تحت وطأة أزمة الركود التضخمي إلى تبني إيدلوجية اقتصاد السوق في إنكلترا (تاتشر1979) والولايات المتحدة (ريغان 1980) ، وبدأت بذور العولمة الاقتصادية (وجوهرها الليبرالية الاقتصادية الجديدة) تنبت في أرجاء المعمورة بنفس الوقت وفق سيل من الدراسات والبحوث التي تجريها مراكز الدراسات والبحوث الصهيونية والأوروبية والأمريكية، وتحت وقع الضغوط والمشكلات الاقتصادية والجمود الفكري والفساد، تفكك الاتحاد السوفياتي وأعلن عن فشل تجربته الاشتراكية مع بداية التسعينات من القرن الماضي، ورافق ذلك إنهيار جدار برلين وتوحيد الألمانيتين، وحرب إخراج العراق من الكويت، إلى جانب الفشل الذي واجهته أغلبية الدول النامية في تحقيق تنميتها ، وبدا وكأن العالم يستسلم لما أعلنه (فوكوياما) الفيلسوف الأمريكي (الياباني الأصل) من أن الرأسمالية انتصرت ووصل العالم إلى (نهاية التاريخ).
وإذ تصاعدت قوى العولمة في تجلياتها السياسية الاقتصادية والثقافية، فإن قوى الرأسمالية الاحتكارية لم تفوت الفرصة، فاندفعت إلى حصار شعوب العالم، ودفعها إلى الالتحاق بالعولمة، لأن ذلك يمكن الولايات المتحدة (وهي مركز الرأسمالية الاحتكارية العالمية) من إحكام الطوق على الاقتصاد العالمي، وكان سبيلها إلى ذلك إعاقة التنمية في البلدان النامية، بعد أن استطاعت دفع روسيا والبلدان الاشتراكية السابقة إلى انتهاج سياسات الاقتصاد الحر، وتبدى ذلك في إضعاف الدول والاعتداء على سيادتها، ووضعها ضمن مسار خيار وحيد هو الالتحاق بقطار العولمة والاستسلام لمتطلبات هيمنة القطب الواحد وهو الولايات المتحدة ومشروعها الاقتصادي والسياسي والثقافي، والتمثل “بالقيم” الأمريكية.
في الوطن العربي، كان السبيل إلى ذلك في طرح مشروعين في منتصف التسعينات:
الأول: :”الشرق الأوسط الجديد” الذي طرحه بيريز بمباركة أمريكية.
والثاني: “الشراكة الأوروبية” الذي طرحه الاتحاد الأوروبي.
والمشروعان كلاهما يحققان للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هدفين أساسيين:
5
الأول: ضمان وجود واستمرار “دولة إسرائيل” كدولة مركزية في المنطقة.
والثاني: استمرار هيمنة الغرب وأوربا على المنطقة، ما يعني:
– استمرار ضخ النفط وعوائده بما يخدم مصالح القوى الرأسمالية الاحتكارية المسيطرة.
– إعاقة قيام تكتل عربي اقتصادي معتبر وقادر على فرض احترامه على الآخرين. وطرحت من خلال هذين المشروعين مسألة الإصلاح الاقتصادي السياسي، وتمثل الإصلاح السياسي الذي يريده الغرب وأمريكا، بالتحول الديمقراطي وحقوق الإنسان ،في حين تمثل الإصلاح الاقتصادي في التحول نحو اقتصاد السوق.
واستخدمت الولايات المتحدة بمساعدة أوروبا جميع الوسائل لاقتراح جدول أعمال اقتصادي ليبرالي وعملت المؤسسات الدولية (الصندوق والبنك الدولييين) على الترويج له مستخدمة في ذلك تقديم القروض، وفتح آفاق الاستثمار الأجنبي مقابل الخضوع لشروطهما.
وفي حين حققت الولايات المتحدة نجاحاً في فرض هيمنتها ودفع أغلبية دول العالم النامي للانضواء تحت سيطرتها، فقد واجهتها بعض الدول بممانعة قوية لبرنامجها ما دعاها إلى إلقاء تهمة الإرهاب أو مساندته على دول الممانعة، وسعت بجميع الوسائل بما فيها العسكرية المباشرة إلى إزاحتها (كما فعلت في حرب أفغانستان والعراق) بعد أحداث “أيلول 2001 الدامية في واشنطن ونيويورك”.
وبعد احتلال الولايات المتحدة للعراق (2003) وتدمير مؤسساته الوطنية، وقتل وتشريد الملايين من شعبه وإقامة نظام موالٍ لها تحت عناوين طائفية وعنصرية، طرحت مشروع “الشرق الأوسط الكبير أو الواسع” كتطوير لمشروع بيريز السابق، وبدأت تعمل له بشتى الوسائل والسبل وذرائع التحول الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي.
في المقابل، بدأ النظام الاقتصادي العالمي بقيادة الولايات المتحدة يعاني من صعوبات وأزمات تبلورت عام 2008 بأزمة حادة بدأتها المؤسسات المالية والمصرفية في الولايات المتحدة دعيت بأزمة الرهون العقارية والتي تمخضت بعد أن اجتاحت العالم عن أزمة عميقة تمس أسس النظام الرأسمالي العالمي.
6
ومع تداعيات الأزمة على الاقتصاد الأمريكي الذي بدء بالانكشاف تحت وطأة العجوزات المتوالية في موازين المدفوعات والموازين التجارية وعجز الموازنة المتواصل، وتصاعد الديون الداخلية والخارجية. وأمام هذا الانكشاف للاقتصادات الرأسمالية، كان هناك صعود الاقتصاد الصيني، والاقتصاد الروسي والهندي والبرازيلي وبعض الاقتصادات الناهضة الأخرى على حساب القوى الاقتصادية الغربية المهيمنة تقليدياً على الاقتصاد العالمي. وبرز خلال ذلك التناقض الموضوعي الذي أصبح يحكم النظام الاقتصادي العالمي، وكان من أبرز مؤشرات هذا التناقض استمرار استخدام الدولار الأمريكي كعملة احتياطية دولية، رغم معاناة الولايات المتحدة من أزمة اقتصادية ومالية ونقدية حادة، ورغم تجاوز مديونيتها مديونيات الدول النامية مجتمعة ، ورغم تراجع معدلات نموها. إن استمرار الدولار الأمريكي كعملة احتياطية دولية، قد سمح للولايات المتحدة بالإثراء غير المشروع على حساب شعوب العالم، عبر الإفراط في الإصدار النقدي بلا غطاء ذهبي أو إنتاجي والحصول على سلع وخدمات شعوب العالم مقابل أوراق نقدية بلا غطاء أو إنتاج.
وقد سعت الصين وروسيا ودول أخرى إلى إجراء تغيير في وضعية الدولار كعملة احتياطية دولية، كما سعت تلك الدول إلى بناء أنظمة علاقات اقتصادية دولية موازية عبر تكتلات إقليمية، وتوسيع التعامل بالعملات الوطنية بين الدول، وكان أهم تلك التوجهات تشكيل مجموعة (بريكس) وتأسيس بنك للتنمية بين الدول برأسمال 100 مليار دولار إلى جانب التعامل مع دول البركس بعملاتها الوطنية.
وطرحت الصين مبادرة (حزام واحد طريق واحد) مستلهمة القيمة الرمزية لطريق الحرير القديم، بهدف تحقيق نهوض اقتصادي بين دول هذا الحزام على أساس التعاون السلمي وتبادل المنافع على نحو حر دون سعي من دولة إلى السيطرة على أية دولة أخرى، وهذا النموذج من العلاقات يزداد رسوخاً مقابل النموذج الغربي الرأسمالي القائم على أساس الفرض بالقوة العسكرية والاقتصادية لهيمنة طرف دولي على باقي الأطراف.
وفي حين كانت سياسة الإنفتاح الاقتصادي وحرية التبادل التجاري، أحد العناوين الأساسية للدول الغنية في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية،
7
حيث أفرزت ( منظمة التجارة العالمية) كواحدة من مؤسسات العولمة الاقتصادية, لتقود هذه المنظمة عمليات التبادل التجاري الدولي وتقيمه على أساس حرية السوق بين جميع دول العالم، مما جعل موضوع حرية الأسواق والتبادل التجاري ركناً أساسياً من جدول أعمال الليبرالية الاقتصادية الجديدة، إذ أصبح واضحاً أن الدول الغنية والتي تتمتع بمزايا تنافسية لمنتجاتها تقود عملية التحول نحو اقتصاد السوق والانفتاح إلى جانب الولايات المتحدة. إلا أن التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة وصعود اليمين المتطرف ونجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية، قد أحدثت تحولاً في أولوياتها الاقتصادية بما ينسجم مع الأزمة الاقتصادية التي تعانيها، ولمواجهة الصعوبات والعجوزات الاقتصادية. إذ أصبحت تنادي بالحماية لمنتجاتها، والانسحاب من التكتلات الاقتصادية، وإقامة علاقات اقتصادية ثنائية مع الدول الأخرى، بدلاً عن الاتفاقات متعددة الأطراف والمناداة بأن (أمريكا أولا)…. بما يعني انتكاسة حقيقية للمفاهيم التي قامت عليها العولمة الاقتصادية.
في ضوء هذه التطورات على الساحة الدولية، اتضح تراجع الغرب الأوروبي والولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وصعود الصين وروسيا والدول الناهضة الأخرى وأن العالم يمر خلال ذلك بمرحلة انتقالية من عالم القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، وأن شراسة الممارسات الأمريكية والغربية عموماً من أجل المحافظة على مواقعها ومصالحها، تزداد في هذه المرحلة.
وتأتي الحرب في سورية وعلى سورية في خضم هذه التطورات حيث يزداد تأثيرها من خلال:
- هشاشة النظام الإقليمي العربي، وإخفاق قيام تكتل عربي معتبر وله وزنه مع إخفاق عمليات التنمية وتبعية بعض الأنظمة العربية للخارج، واندماجها بالاقتصاد العالمي والمصالح الخارجية.
- حالة الجهل والتجهيل، المصاحبة لتداعيات السياسات الاقتصادية الليبرالية وقابلية المجتمعات العربية للاختراق.
8
- ممارسات الأنظمة العربية السياسية، التي أدت إلى تهميش المجتمعات وإضعاف الحياة السياسية ، وإلى المزيد من الإحباط واليأس، مما خلق الأجواء المساعدة لإثارة الفتن والفوضى التي قادت إلى ما يدعى “الربيع العربي” وهو أبعد ما يكون عن الربيع، فقد وضع المجتمعات العربية التي استطاع الوصول إليها في جحيم الإرهاب مستخدماً خطاب الدين والتكفير وسيلة لذلك.
وقد أمدت بعض الأنظمة العربية والدولية ميليشات الإرهاب بالمال والسلاح واستخدمت وسائل الإعلام في أشنع وأخطر حملات إعلامية عرفها التاريخ بهدف الإمعان في إشعال نار الفتنة وإشاعة أجواء القتل والتدمير.
وكان أن انزلقت بعض الأطياف الوطنية في هذه اللعبة الخطرة فانضمت إلى قوى الظلام، ولم تتورع عن المطالبة بالتدخل العسكري الأجنبي، الأمر الذي أدى إلى قيام هذا التحالف غير الشريف بين قوى الظلام والفاشية وقوى النظام الرأسمالي العالمي،والرجعية العربية الدينية والاقتصادية مستخدماً “أنصاف المثقفين من اليساريين والعروبيين الليبراليين ” الذين ارتبطوا فكرياً وجسدياً ومادياً بالغرب والإيديولوجية الليبرالية الجديدة
تبلورت المأساة السورية الكارثية وسط هذه الأجواء ، فقتل من قتل وجرح من جرح، ودمرت بيوت السكن والبنى التحتية، وفقد الاقتصاد الوطني أكثر من ثلاثة أرباعه، ونزح ولجأ داخل البلاد وخارجها حوالي نصف السكان ، وعاش من بقي فيها حياة العوز والكفاف والبطالة والضغوط النفسية والمعيشية ومعاناة انقطاع الكهرباء والماء، وتراجع خدمات الدولة، وتدمير المؤسسات الاقتصادية، فضلاً عن المعاناة النفسية والمعنوية.
وفي الوقت ذاته، كانت آلية ظهور تجار الحروب قد فعلت فعلها ، مستندة إلى البذور التي زرعتها السياسات الاقتصادية الليبرالية، فقد نشأت في ظل السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة فئة جديدة من المتاجرين بقوت الشعب وعملته الوطنية مع تجار المخدرات والمضاربات العقارية والتهريب،
9
إلى جانب رجال الأعمال الجدد الذين تكونوا على أنقاض البورجوازية الوطنية السورية.
وترافق اشتداد المعارك مع الإرهاب ومسانديه بالصخب والضجيج الذي مارسته ما يدعى بالمعارضة في الخارج ، فقد استخدمتهم الجهات المشغلة في تسعير الأوضاع الداخلية، وفي تشويه الحقائق، وفي دفع الأمور إلى المزيد من التأزم، مما دفع السلطة السياسية إلى استدعاء بعض الأصدقاء (كحزب الله اللبناني) والدول كروسيا وإيران إلى الإسهام في تدعيم الوضع العسكري في مواجهة الميليشيات الإرهابية .وأمام هذه المرحلة الجديدة تزايد استخدام القوى المعادية في التدخل المباشر عسكرياً وبالقوة كما هو الحال مع الولايات المتحدة وتركيا بدعم ظاهر من أوروبا وبعض الأنظمة العربية.
مع التقدم الحاصل الذي يحققه الجيش السوري وحلفاؤه، أصبح من الواضح أن اندحار الإرهاب أصبح قريباً، خاصة بعد القضاء على مايدعى “تنظيم الدولة الإسلامية” “داعش”، وأن ما بقي من تنظيمات وميليشيات خاصة “جبهة النصرة أو القاعدة” ما هي إلا بؤر يمكن استيعابها بعمليات عسكرية محددة، وأن استمرارها واستمرار دعمها وتشجيعها من قبل قوى الغدر والظلام ماهو إلا لأن بوادر الحل السياسي بدأت تظهر، فالهدف من استمرارها بالعمل الإرهابي واستمرار مشغليها بدعمها هو اكتساب أكثر مايمكن من أوراق على طاولة الحل السياسي، في حين يعيق آخرون أي حل سياسي، فاستمرار القتل والتدمير يخدم في النهاية مصالح هؤلاء ومصالح الدول التي تقف ورائهم.
ومنذ السنة الأولى للأزمة/ الحرب، بدأت في أوساط عديدة في الخارج، في أروقة الأمم المتحدة ومنظماتها ومؤسساتها، وفي مراكز البحث والدراسات الصهيونية والأوروبية والأمريكية، بدأت هذه الأوساط تدرس مسألة إعادة الإعمار، ووضع دستور جديد لسورية.
والهدف من ذلك، كان ولا يزال خطف مستقبل سورية، واقتسام اقتصاده وإبقاءه في إطار السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة وإخضاعه لمتطلبات العولمة، والالتحاق بالاقتصاد العالمي والرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة، التي لا تزال تأمل أن تستمر في هيمنتها وتعظيم نفوذها ، وتدعيم اقتصاداتها، في حين أنها تعيش حالة
10
إنكار لما يجري في العالم من تحولات، وإنكار حق الشعوب في تقرير مصيرها، انطلاقاً من شعورها بالتفوق والعظمة الذي بنته تاريخياً على حساب البشرية أجمع.
وفي مقابل ما يجري على الساحة الدولية، نجد أن الحال في البلدان العربية غير مطمئنة وغير صحية (في أبسط التعابير)، وقد واجهت منذ حصولها على الاستقلال السياسي إخفاقات سياسية واقتصادية حادة، إلى جانب تدهور أوضاعها المعيشية والاجتماعية، ويأتي الإخفاق الذي واجه مشروع النظام الإقليمي العربي في هذا الإطار، فالبيئة الدولية لم تكن مواتية لقيام نظام إقليمي عربي مستقل وقوي ومحترم ، من جهة ، ومن جهة ثانية، فإن الأنظمة السائدة في الأقطار العربية، لا تحمل في مضامينها توجها حقيقيا للعمل العربي المشترك.
لقد تأسست جامعة الدول العربية في منتصف أربعينات القرن الماضي، في ظل رغبة قوية لدى الشعوب العربية في الوحدة، ووضع ميثاقها من قبل أنظمة لا تحمل مثل هذه الرغبة، بل كانت أغلب اهتماماتها تنصب على حماية نفسها والمحافظة على مصالحها، في حين أن المصالح الاستعمارية كانت تعمل بنفوذها إلى تعطيل أي عمل وحدوي جدي، فالتقت مصالح الأنظمة مع مصالح الدول الاستعمارية في إقامة هيكل غير فعال للنظام العربي الإقليمي والذي كان يهتز عند كل أزمة أو عند ظهور أي مشكلة. ورغم أن جامعة الدول العربية قد أقامت العديد من المؤسسات والمنظمات واتخذت العديد من القرارات “الوحدوية” إلا أن ذلك كله لم يستطع وضع البلاد العربية على طريق الوحدة، لا بل أن مجريات الأمور ومواقف الأنظمة قد مكنت تكريس التجزئة وأسهمت في إضعاف المواقف العربية في المحافل الدولية، كما أن بعض الأنظمة العربية لم تجد أي رادع يمنعها من التآمر على دول عربية أخرى أو الاعتداء عليها.
ووقعت برامج التكامل الاقتصادي العربي أسيرة الأهواء والمطامع والمصالح الضيقة فأخفقت في تحقيق الحد الأدنى من التعاون العربي المشترك في إطار العمل الاقتصادي المشترك. ورضخت العديد من الأنظمة العربية لقرارات الأمم المتحدة ومؤسساتها ومنظماتها، في حين كانت تعتبر قرارات جامعة الدول العربية ومجالسها،
11
اعتداء على السيادة الوطنية، وتمتنع عن تنفيذها في الوقت الذي كانت تتسابق لتنفيذ ما تريده المؤسسات الدولية.
واستخدمت جامعة الدول العربية لتغطية العدوان على العراق، وكذلك العدوان على ليبيا بعد ذلك، كما مارست أشد أنواع التآمر في الأزمة السورية، واتخذت قراراً بتجميد عضويتها خلافاً لما ينص عليه ميثاقها، كما أقرت مجموعة من العقوبات الاقتصادية والحصار الاقتصادي على سورية بما يتماشى مع العقوبات والحصار المفروض عليها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وانحازت إلى ما يدعى المعارضة ودعاواها الباطلة.
وفي مقابل تراجع المشروع العربي النهضوي وظهور الحركات الإرهابية والفاشية، وفي ذروة الانهيار العربي، تصاعد العدوان الإسرائيلي، وتصاعدت معه حمى وجشع الدول الاستعمارية القديمة، ودولة الاستعمار الجديد، مركز الرأسمالية الإمبريالية الاحتكارية.
ثانياً: الإصلاح بين الضرورات الداخلية والضغوط الخارجية:
سورية ومأزق الإصلاح الاقتصادي وما آل إليه:
لا تعاني الدول الصناعية الغنية من مشكلة إصلاح أنظمتها ومؤسساتها الاقتصادية، فلديها من المؤسسات والآليات ما يتيح لها إجراء الإصلاح كاستجابة لمقتضيات التطور ومعالجة الخلل في حينه، بما في ذلك مواجهة حالات الفساد (الكبير منه والصغير).
لكن المشكلة تبرز في البلدان النامية، (ومن بينها سورية والبلدان العربية) حيث تفتقد آليات الإصلاح الذاتية، لأسباب عديدة سياسية واجتماعية وثقافية، مما يفترض البحث والتفتيش عن مشروعات إصلاح متكاملة من خارج المؤسسات.
في حين تبدو أهمية الإصلاح الداخلي الذي يأتي من الداخل، فإن قوى الفساد ومصالح البيروقراطية الضيقة تقف في مواجهة ذلك لتعيق عملية الإصلاح ، وهنا تبرز ضغوطات الخارج للقيام بعملية إصلاح وفقاً لبرامجها، وليس استجابة لضرورات داخلية وهكذا كما وجدنا ، فإن المشاريع الخارجية، “مشروع الشرق الأوسط الكبير والشراكة الأوروبية” قد تضمنت في جانب منها، إحداث إصلاح اقتصادي وإداري،
12
ولكن من خلال البرامج والأجندات التي تخدم مشروعها الأساسي، أي استمرار الهيمنة على مقدراتنا، ورهن مستقبلنا بمصالحها وما يعزز المشروع الصهيوني الأمريكي الأوروبي.
فبعد استخدام القوة الغاشمة في احتلال العراق (2003) والتلويح باجتياح سورية، طرح الرئيس الأمريكي وقتذاك (بوش الابن) مشروع الشرق الأوسط الجديد في صيغته الإسرائيلية الواضحة ودعاه “الشرق الأوسط الكبير أو الواسع” في إطار الإستراتيجية الأمريكية (2002) التي تركز في خطوطها العامة والمحددة على:
1 – أن الصراع في القرن العشرين كان حول الأفكار ، وانتهى بنهاية القرن على هزيمة الرؤى المتطرفة حول الصراع الطبقي والقومية والعرق وأن الولايات المتحدة تمتلك القوة والنفوذ غير المسبوقين مما يوجب عليها استخدامها لتعزيز توازن القوة الداعم للحرية والمساعدة في جعل العالم أفضل وأكثر أمناً.
2 – أن الولايات المتحدة ليست الأقوى في العالم فقط، بل الأكثر حرية وعدالة وهي في هذا السبيل تشجع على التغيير.
3 – الأولوية لدى الإدارة الأمريكية هي في محاربة الإرهاب، وهي لن تتردد في اتخاذ خطوات من جانب واحد إذا لزم الأمر.
4 – وفيما يتعلق بـ (الشرق الأوسط) فإن الولايات المتحدة تعلن التزامها بقيام (دولة فلسطينية) مستقلة وديمقراطية، تعيش إلى جانب دولة إسرائيل في سلام وأمن.
5 – تضع الولايات المتحدة شروطاً لمنح المساعدات، ومن بين هذه الشروط (قبول مبدأ حرية السوق).
6 – تحث الاستراتيجية الأمريكية على مرحلة من النمو الاقتصادي العالمي من خلال الأسواق الحرة والتجارة الحرة انطلاقاً من أن (اقتصاديات السوق وليس الرقابة والتحكم الحكومي هي السبيل الأفضل للازدهار وتقليص معدلات الفقر).
7 – تركز الوثيقة الأمريكية على توسيع دائرة التنمية عن طريق فتح المجتمعات وإقامة البنية التحتية للديمقراطية.
13
وتختصر وثيقة الإستراتيجية الأمريكية، فكر مجموعة (المحافظين الجدد) و(اللوبي الصهيوني) والفكر اليميني بوجه عام ، كما أنها تعبر عن مصالح المجتمع الصناعي- النفطي-العسكري- المالي – الإعلامي، وتمثل الليبرالية الاقتصادية الجديدة جوهرها الإيديولوجي، المتمثل في نشر وفرض جدول أعمال خاص عبر تجليات العولمة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية من خلال إيديولوجية يمينية متطرفة.
وتستخدم الولايات المتحدة قوتها العسكرية، في دعم وتشجيع وحسم أي معركة أو أزمة تنشأ دون انتظار، وإلى جانب القوة العسكرية، تستخدم أيضاً الاقتصاد والعلاقات التجارية بما تطرحه من مبادرات الشراكة والاتفاقات الثنائية ، وتأتي مشاريع الإصلاح الاقتصادي والسياسي بتوجيهاتها الليبرالية المختلفة في صلب الإستراتيجية الأمريكية وقد توجه المخططون الأمريكيون (وإلى جانبهم الصهاينة والليبراليون المتطرفون) إلى إعادة ترتيب الدول الواقعة في إطار “مشروع الشرق الأوسط الكبير” على النحو الذي يخدم المصالح الأمريكية – الإسرائيلية – وقد طرح هذا المشروع من قبل الرئيس الأمريكي في (9/4/2003) بعد احتلال العراق بأيام وفي إطار وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي.
واستخدم المشروع النتائج التي خلص إليها تقرير التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002 و 2003 وربط ما بين ما دعاه التقرير (النواقص الثلاثة) وهي (الحرية – والمعرفة – تمكين النساء) وبين حالة التخلف التي تعيشها شعوب المنطقة، فهذه الحالة هي المسؤولة عن خلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لأعضاء مجموعة الدول الثماني(أي الدول الصناعية الكبرى) وهي الحالة التي تولد الإرهاب.
ولهذا فقد استنتج مشروع بوش أن المنطقة تقف على مفترق طرق:
الطريق الأول: بقاء الحال كما هو والاستمرار على المسار ذاته، مما يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة وللمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الثمان.
والطريق الثاني: أي البديل، وهو طريق الإصلاح.
وترى الولايات المتحدة (ومن معها) أن طريق الإصلاح هو في معالجة (النواقص الثلاثة) التي حددها تقرير التنمية الإنسانية العربية.
14
وإذ يرى المشروع الأمريكي أن الإصلاح يتطلب التحول نحو الديمقراطية والحكم الصالح، فإنه يرى في المجال الاقتصادي أن الأمر يتطلب توسيع الفرص الاقتصادية، بإطلاق قدرات القطاع الخاص، وتشجيع نمو (طبقة) متمرسة في مجال الأعمال، وتقوية فاعلية القطاع المالي، وتنفيذ خطط الإصلاح التي تخفض من سيطرة الدولة، ورفع الحواجز على المعاملات المالية بين الدول، وتحديث الخدمات المصرفية، وتقديم وتحسين وتوسيع الوسائل المالية الداعمة لاقتصاد السوق، وإنشاء الهياكل التنظيمية الداعمة لإطلاق حرية الخدمات المالية وإزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية، ودعم النشاط التجاري للقطاع الخاص، وتسهيل دخول وخروج السلع والخدمات، إلى جانب العديد من الصناديق التي تخدم عملية التحول نحو اقتصاد السوق، وربط دول المنطقة بعجلة الاقتصاد الرأسمالية العالمي، وهيمنة الولايات المتحدة وممثليها ووكلائها وفي مقدمتهم إسرائيل.
والجدير بالذكر أن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يضع في مطلع ولاية كل رئيس أمريكي جديد تقريراً استراتيجياً، وكان تقريره في الولاية الأولى لبوش الابن بعنوان “الاشتباك الأمريكي في الشرق الأوسط – لحظة قلقة” أما تقريره في مطلع ولايته الثانية فكان بعنوان “الأمن – الإصلاح –السلام”.
ونظراً للأهمية، سوف نستعرض أهم ما جاء في هذا التقرير، الذي يسمح بوضع الحقائق أمام أي راغب في معرفة خفايا استراتيجيات الولايات المتحدة حيال المنطقة العريية، وحيال سورية بوجه خاص.
فالتقرير فيما يتعلق بالأمن، يضع الإرهاب كأخطر عدو للولايات المتحدة، أما في مجال الإصلاح فيرى (وهذا ما قامت به الولايات المتحدة) أن عليها عزل وتهميش الحركات الإسلامية، وأن الطريق إلى ذلك هو بالإصلاح الديمقراطي، وأن على الولايات المتحدة أن تركز على طاقات الحكومات على بناء مستقبل أفضل وعليها أن تتواصل مع “الوطنيين ” الإصلاحيين وتشجعهم (ويربط ذلك بالحل السلمي مع إسرائيل) وتطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.
15
ولهذا يدعو التقرير إلى أخذ زمام المبادرة بالترويج للقيم الأمريكية، ويعتبر أن ذلك مشروعاً لجيل كامل.
ويخصص التقرير حيزاً هاماً للعلاقة مع سورية، إذ يشير إلى أن أمام الولايات المتحدة ثلاثة خيارات تجاه سورية.
الأول: استمرار عزل سورية.
الثاني: إحداث تغير جذري من خلال زيادة الضغط.
أما الخيار الثالث فهو: استخدام سياسة العصا والجزرة على غرار ما حصل في ليبيا. ومع استمرار الإعلان عن فشل سورية في بذل الجهود لتأمين حدودها مع العراق (خاصة بعد فشل التهديدات التي نقلها وزير خارجية الولايات المتحدة لسورية) فإن تقرير المعهد الأمريكي يلوح بأسلوبين ومنهجين مكملين:
الأول: الوصول إلى المجموعات الصغيرة من (المعارضة السورية) والمعارضة اللبنانية للوجود السوري في لبنان ، وتقديم الدعم المالي لهذه المجموعات.
والثاني: العمل مع الدول الأخرى من أجل زيادة التكاليف على سورية، إذا ما حافظت على سياستها الرافضة.
وفي الداخل السوري، طرحت مسألة الإصلاح منذ عام 2000، وكانت محور نقاشات وحوارات في أوساط الحكومة وفي الأوساط الأكاديمية ، وكذلك في أوساط المنظمات الشعبية، وقد تركز النقاش بين خيارين للإصلاح هما:
1 – خيار تصحيح مسار التنمية، وإصلاح القطاع العام والقضاء على الفساد والاهتمام بالإدارة، وتعليم وصحة المواطنين ، وبالتالي التمسك بالدور التنموي للدولة.
2- والخيار الثاني هو التوجه نحو اقتصاد السوق، واتخاذ الإجراءات وإصدار القرارات بما يتماشى مع ذلك التوجه من خلال نصائح وتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بمعنى تطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، ووفقاً لما تقتضيه أحكام “وفاق واشنطن”.
16
ورغم أن الدستور المعمول به (دستور عام 1973) ينص على التحويل الاشتراكي والتخطيط الاقتصادي ، ورغم عدم التوصل إلى قرار بشأن التوجهات الاقتصادية حتى انعقاد المؤتمر القطري العاشر (2005) إذ أقر المؤتمر توصية بشأن الانتقال إلى (اقتصاد السوق الاجتماعي)، إلا أن الإدارة الاقتصادية، وقبل حسم قرار التوجه، بدأت تتخذ قرارات وإجراءات، تحمل مضامين اقتصاد السوق والتوجه الليبرالي ولما جاءت توصية التوجه نحو (اقتصاد السوق الاجتماعي) ادعت أن ما تقوم به من إجراءات التحول نحو اقتصاد السوق الانفتاحية هي نفسها مضامين اقتصاد السوق الاجتماعي، مستغلة في ذلك حداثة استخدام المصطلح، وضعف الثقافة الاقتصادية لدى المسؤولين، وساعدها في ذلك إلى جانب بعثات المؤسسات الدولية والاتحاد الأوروبي، فئة محدودة من الأكاديميين والبيروقراطيين الذين كانوا على تماس مع الثقافة الليبرالية، ومع مفاوضات الشراكة الأوروبية ، ومع المنظمات والمؤسسات الدولية، وبالطبع إلى جانب فئات من رجال الأعمال الجدد ومن السوريين الذين يعيشون في الخارج.
أما المساعدة العملية لهذه التوجهات فكانت من دول الخليج وبعض رجال الأعمال العرب والسوريين، تحت عناوين “الاستثمار” وبدأت طلائع هذه الدعوات ” بالنخبة” الاستثمارية التي جاءت من دول الخليج، وتوجهت بالتحديد من أجل دعم وتشجيع الحكومة الانفتاحية نحو الاستثمار في سوريا في قطاعات هامشية كالسياحة، والمصارف، وشركات التأمين والخدمات المالية الأخرى كالعقارات والمضاربات العقارية والتجارية.
والسؤال الذي ألح علينا في المؤتمر وخارجه في معرض استشراف مستقبل الاقتصاد السوري، هو ما الذي جعل الإدارة الاقتصادية تنحاز إلى السياسات الليبرالية ، متجاوزة بذلك أحكام الدستور الذي ينص على التحول نحو الاشتراكية، وتصريحات المسؤولين المنادية بالتعددية الاقتصادية، ثم قرار القيادة السياسية بالتوجه نحو (اقتصاد السوق الاجتماعي)؟!
الإجابة على هذا السؤال ، أمر جوهري لأنه يفسر العديد من الأحداث والتطورات اللاحقة والمواقف.
17
فإذا ما أخذنا بالحسبان العقوبات الاقتصادية وضغوط الولايات المتحدة ونصائح الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية وإغراءات دول الخليج وبعض المستثمرين، يبدو أن الإدارة الاقتصادية اختارت التوجه الاقتصادي الليبرالي، وتسريع الخطوات نحو اقتصاد السوق، وإجراء عملية تحويل سريع في الهياكل الاقتصادية ، واتخاذ خطوات سريعة نحو الانفتاح الاقتصادي وتحرير التجارة الخارجية وتحرير الأسعار والأسواق الداخلية انطلاقاً من:
– أن هناك أموالاً هائلة في الخليج، تبحث عن مجالات الاستثمار وسورية أولى فيها من غيرها من الدول، ولا بد من العمل على استقطابها، بتقديم المزيد من إجراءات تحرير الاقتصاد.
– هناك ملايين الدولارات عائدة لسوريين قاموا بتهريبها إلى الخارج في فترات سابقة، لابد من العمل على استعادتها بتقديم التسهيلات واتخاذ الإجراءات المطمئنة لأصحابها.
وكان الهدف هو تقديم البرهان على جدية التحول، حيث تزامنت هذه التوجهات بإجراءات عملية للسماح للقطاع الخاص بالعمل في المجالات المصرفية والمالية لشركات التأمين والجامعات والمستشفيات والأعمال العقارية وغير ذلك.
وعلى صعيد آخر، بدأت الحكومة بإجراءات تقشفية أدت إلى انخفاض نسبي للمخصصات الاجتماعية والتعليمية والصحية، وقامت إلى جانب تحرير الأسعار بإعادة النظر بالدعم المقدم للمستهلكين والمنتجين تحت شعار ” إيصال الدعم إلى مستحقيه ” . وفي مجال المالية العامة، أيضاً، إلى جانب التخفيض النسبي للإنفاق ، تم تخفيض الضرائب على الأغنياء والشركات الكبرى.
وكانت خلاصة تلك التحولات الاقتصادية تتمحور حول: (سوق حر – اقتصاد مفتوح تحركه مصالح الأفراد – حكومة صغيرة)
والحجة في ذلك جاهزة، وفق أدبيات الليبرالية الاقتصادية الجديدة، واستناداً إلى قناعة الإدارة الاقتصادية بأن هذه التوجهات ستؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي عالي (ناجم عن التوسع في الاستثمار المحلي والعربي والأجنبي) وأن ذلك سيؤدي إلى
18
السماح للأغلبية بالاستفادة من هذا النمو وفق قانون التساقط، رغم أنه سيؤدي إلى تركز الثروة في أيد قليلة.
وكانت حصيلة تلك التحولات إلى جانب عوامل أخرى خلال سنوات قليلة:
- الضغط على معيشة غالبية السكان وتوسيع دائرة الفقر.
- زيادة معدلات البطالة.
- توقف آلاف الورش والمعامل، أو تخفيض إنتاجها نتيجة المنافسة غير المتكافئة مع البضائع والسلع الأجنبية، خاصة الملبوسات والجلديات والمفروشات فضلاً عن الصناعات الغذائية.
- اتساع الفجوة بين الدخول والأسعار، وفي الدخول والثروة.
- تراجع أوضاع الريف واتساع الهجرة من الريف إلى المدينة.
- انتشار العشوائيات حول المدن الكبيرة.
- تفشي الفساد الذي أصبحت له رموزه في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
- اتساع ظاهرة الدخول الريعية مع انحسار العمل الإنتاجي، لصالح عمليات السمسرة والوساطة والأعمال غير القانونية.
وعلى صعيد الاقتصاد الكلي ومؤشراته، كان واضحاً ظهور الخلل في التوازنات الاقتصادية والمالية والنقدية وخاصة عجز الموازنة العامة وتراجع الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
وقد استهدفت السياسات الاقتصادية، ضمن توجهاتها الليبرالية إلى:
- تقليص دور الدولة في إدارة الاقتصاد وتنميته.
- إعادة بناء الأسواق وإعطائها الأولوية في تسيير الاقتصاد الوطني وتنميته بإطلاق قوى السوق العاتية والركون إلى عمل آليات السوق دون تدخل.
- إعادة بناء الرأسمالية المحلية، وجعلها قادرة على أن تكون ركيزة العمل الاقتصادي في البلاد، مع توثيق ارتباطها بالرأسمالية العالمية.
19
- إضافة إلى ذلك، فقد كان هناك أهدافاً أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، تتعلق بالدور الذي تقوم به سورية في المنطقة العربية أو بتكوينها التاريخي، فكما ذكرنا سابقاً، فإن اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية الجديدة، يعتبران ركيزة أساسية من ركائز مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الواسع، و من مشروع الشراكة الأوروبية كذلك ، اللذين يهدفان إلى جعل إسرائيل تقوم بدور محوري ومركزي في تقرير سياسات المنطقة ، وبالتالي لا بد من المرور عبر إسرائيل في مسألة الاندماج بالاقتصاد العالمي وفي مخاطبة المجتمع الدولي، والالتحاق بالعولمة، وذلك بإقامة حالة من التطبيع والسلام مع الكيان الصهيوني كشرط لذلك كله.
إضافة إلى ذلك، فإن لعملية التحول الاقتصادي تلك أهدافاً أخرى تمتد إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية، منها:
- إجراء تغير حقيقي في بنية الاقتصاد والمجتمع، عن طريق تحويل الاقتصاد نحو علاقات اقتصادية واجتماعية وتعميم ثقافة الريع والسوق والاستهلاك وقيمه مقابل ثقافة الإنتاج وقيمه.
– تغيير البنية الاجتماعية و (تصنيع) فئة اجتماعية جديدة من رجال الأعمال، تعد الحامل الاجتماعي والاقتصادي للنظام الجديد، بدلاً من العمال والفلاحين وصغار الكسبة وأصحاب المهن الحرة والطبقة الوسطى والبورجوازية الوطنية الصغيرة، التي كان يقوم عليها النظام الاقتصادي والسياسي في المرحلة السابقة.
- ولم تكن الإدارة الاقتصادية غير مدركة لذلك، بل إنها عملت من أجله والدليل على ذلك ، فقد تم لها إجراء تحول في الاقتصاد السوري نحو اقتصاد سوق حر، وما يتعلق به من نتائج أوجزها تقرير الحكومة حول تتبع أداء الخطة الخمسية العاشرة، حيث أوجز التقرير ما تم تحقيقه من أهداف الخطة على النحو التالي:
1 – نجحت الخطة في تغيير مسار الاقتصاد السوري.
2- تمكنت الخطة من تحقيق هدفها الرئيسي وهو إنجاز عملية التحول في الهياكل والأطر الاقتصادية في سورية، نحو اقتصاد أكثر انفتاحاً وتنافسية واندماجاً في الاقتصاد العالمي، ونحو اقتصاد مرن يعتمد أساساً على آليات السوق مع تغيير واسع
20
في دور الدولة.. ودليل نجاح هذا النهج ، هو وصوله إلى نقطة اللاعودة ولعل أهم ما قاله تقرير الحكومة:
1 – إجراء التحول في الهياكل الاقتصادية، باعتماد آليات السوق وتغيير دور الدولة.
2 – إن هذا النهج قد أوصل اقتصاد سورية إلى نقطة اللاعودة.
أي أنه سد الطريق أمام أي إعادة نظر بالسياسات الاقتصادية، واعتبار ما جرى على صعيد تغيير المسار الاقتصادي لسورية نهائي، ولا يمكن العودة عنه، فأي خطة هذه التي تصادر المستقبل، وتمنع التطور، وتمعن في سياسات تعتبرها نهائية؟؟؟!!
ثالثا: القضايا التي آثارها الإصلاح الاقتصادي الليبرالي:
أثارت قضايا الإصلاح وتداعياته، المسائل والقضايا الهامة التالية:
1 – قضية إخفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة.
2 – قضية العدالة الاجتماعية وانحسار الطبقة الوسطى.
3 – طبيعة النظام الاقتصادي في البلاد وهوية الاقتصاد والإدارة ومؤسساتها وآلياتها.
4 – الفساد ودوره في إعاقة التنمية والإصلاح.
5 – الإدارة الرشيدة والحوكمة.
وتدل الدراسات والتقارير الاقتصادية على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من خلال الأرقام والإحصاءات الرسمية منها والصادرة عن المنظمات الدولية، وذلك في إطار الإجابة على ثلاثة أسئلة.
1 – ماذا حصل للفقر؟
2- ماذا حصل للبطالة؟
3 – ماذا حصل للتفاوت بين الدخول؟
حيث يتبين تصاعد البطالة واتساع دائرة الفقر واتساع الفجوة بين الدخول.
21
ومع تزايد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، وهجرة أبناء الريف إلى المدن الرئيسية حيث اتسعت العشوائيات، وتضاعف حجم اقتصاد الظل، وتزايدت أعمال التهريب والنشاطات غير القانونية، بدا واضحاً أن عملية تهميش واسعة تجري للغالبية، في حين تحظى أقلية من رجال الأعمال والمتنفذين بالرعاية، مع اتساع الأعمال الهامشية والدخول الريعية، وتراجع العمل المنتج والإنتاجية، والعجز في الموازنة العامة وفي الميزان التجاري نتيجة للاختلالات الحاصلة في التوازنات الاقتصادية.
ومع تصاعد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، بدأت تبرز بعض الشعارات المنادية بالإصلاح السياسي والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإذ حاولت الحكومة امتصاصها في البداية، إلا أنها اتجهت بعد ذلك إلى مواجهتها، ومع اتساع ظاهرة الاحتجاج، وتزايد التدخلات الأمنية فقد استطاعت القوى المعادية استغلال ذلك، وخاصة بعد أن تم استخدام الخطاب الديني التكفيري وتدفق المسلحين والسلاح من الخارج لتدعيم النواة المسلحة الأساسية التي تشكلت تحت شعارات القاعدة بتغذية واضحة من الخارج، إعلامياً ومادياً، وثقافياً بالتنظير الإيدلوجي الذي وجد له بعض الحواضن في الأرياف نتيجة الجهل والفقر والتهميش.
ومع تزايد الأعمال الإرهابية الوحشية وزيادة أعمال القتل والتدمير، نزح الملايين من المواطنين من المدن والبلدات الأخرى بحثاً عن الأمن والسلام، وخرج الملايين منهم إلى البلدان المجاورة ، كما حاول البعض الوصول إلى ما بعد تلك البلدان، وتعاظمت المشكلات الإنسانية للنازحين واللاجئين، واستمرت ما يدعى “المعارضات” تجوب عواصم العالم حيث تم استخدامها وتشغيلها من قبل الدول الأجنبية والمنظمات الدولية لتحقيق أهداف أبعد ما تكون عن الاستجابة لمطالب الشعب السوري.
ولم تطرح “المعارضات” في الداخل والخارج، برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً يلبي الآمال والمطالب الحقيقية التي كان يأمل بها الناس، في حين استمرت الحكومة في إنكارها ما يحدث واتخاذ القرارات الاقتصادية بتوجهات ما قبل الأزمة /الحرب، وبدلاً من الإعلان عن (حكومة حرب) وبرنامج اقتصادي لدعم القوات المسلحة، انصرفت إلى ما دعته معالجة النقص في القطع الأجنبي،
22
وعجز الموازنة العامة، وبدت أعمالها مرتبكة في مواجهة أزمة الكهرباء والماء والخدمات الاجتماعية، في حين استمرت فوضى السوق وأخذت طابعاً كارثياً من خلال تلاعب “تجار الأزمة ” والباحثين عن الثروة السريعة، وجاء رفع أسعار المشتقات النفطية والخبز وغيرها من المواد تحت عنوان “عقلنة الدعم” ليزيد أعباء الملايين من أبناء الشعب الذين تمسكوا بالبقاء على أرض الوطن، كما انخرطت الحكومة في ندوات ومؤتمرات تعقد برعايات مختلفة لما دعي “إعادة الإعمار)” ، وأقرت في غمرة الأحداث ودمويتها، قانون “التشاركية ” الذي يهدف إلى تولي القطاع الخاص عملية إعادة الأعمار “البنى التحتية” وهي مسألة ذات حساسية نظراً لعلاقتها بالأمن القومي. ولطالما امتنع القطاع الخاص عن الاستثمار في البنى التحتية والمرافق، إلا أنه الآن يطالب بدخوله هذا الميدان برعاية ودعم البنك الدولي الذي اخذ على عاتقه الإسهام في التمويل لمشاريع البنى التحتية بشروطه، وعلى أن يقوم القطاع الخاص بهذه العملية عن طريق التشاركية .
إن هذا المدخل الجديد لتسلل الشركات الأجنبية بغطاء محلي من القطاع الخاص بحجة الحاجة إلى التمويل، وقرارات رفع الأسعار للسلع والخدمات الضرورية بحجة “عقلنة الدعم” يشكلان معاً المدخل الاقتصادي في هذه المرحلة ، وهو استمرار لنهج الحكومة (ما قبل الأزمة/ الحرب) في الإمعان في تنفيذ السياسات الاقتصادية الليبرالية، وعدم الاستفادة من التجربة القاسية التي تمر بها البلاد.
23
//المقترحات والتوصيات//
علينا إيجاد الأساليب المناسبة للتغلب على المصاعب التي تواجه الدولة والتي تحد من نموها وتشكل عثرة أمام تقدمها, وذلك للتقليل من آثارها والحد من تحولها إلى مخاطر أو تهديدات .
لقد تداول المشاركون في المؤتمر في كل جلسة من الجلسات التوصيات الخاصة بالورقة المقدمة، وكان منطلق جميع المتداخلين من الحالة التي وصل إليها الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وتم التركيز بوجه خاص على المسائل المتعلقة بقضايا العدالة الاجتماعية والتنمية، ومعالجة النتائج الكارثية للأزمة/ الحرب وخاصة ما يتعلق بإعادة النازحين واللاجئين إلى ديارهم مع حفظ كرامتهم وإنسانيتهم، وكذلك مسألة إعادة الإعمار في البنى التحتية وبيوت السكن، وتأمين الاحتياجات المعاشية والخدمات الصحية والتعليمية، وعلى أن يجري ذلك من خلال تحديد واضح لطبيعة وهوية الاقتصاد السوري، وبما يؤمن أوسع مشاركة شعبية سورية تسهم في صياغة المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لسورية.
ونبين فيما يلي أهم التوصيات:
- يجب التغلب على الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب وإعادة تأهيل المنظومات التي ما تزال قائمة, ومن ثم العمل على إعداد استراتيجية البناء والتنمية.
- إيجاد النموذج أو نمط اقتصاد بديل أكثر مرونة واستجابة للمتغيرات, ويعمل على الاستثمار الأمثل للإمكانيات المتاحة ورسم سماته ومقوماته على أساس التجديد والتطوير والنتائج التي نرغب بالوصول إليها.
- كسر العزلة ورفع العقوبات الاقتصادية والنجاح في إعادة صياغة العلاقات الخارجية مع المحيط الاقليمي,
24
والمحيط الدولي بشكل متوازن وعلى أساس استراتيجي بما يحقق المصالح الوطنية.
- رسم حدود تدخل الدولة على إيجاد أنظمة بديلة لإدارة الاقتصاد بما يعزز المبادرات الفردية ويضمن تحقيق الأرباح والتوسع المنطقي للأعمال في إطار المسؤولية والرعاية الاجتماعية والاستدامة في الإنتاج والاستهلاك.
- مكافحة الفساد والحد من تعطيل أجهزة الدولة والمجتمع، وما يسببه من تخريب النفوس وقتل الروح الوطنية وقدرتها على الانتاج في مختلف الميادين وبالتالي قتل القدرة على الإصلاح.
- إصلاح مؤسسات القطاع العام والمنهجية التي تدار بها، وضرورة الفصل بين دور الدولة كتاجر وفاعل اقتصادي في بيئة تنافسية عادلة وشفافة ودورها في إدارة الحياة الاقتصادية وتحقيق التوازن بين كافة أطرافها.
- الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج, مع التركيز على القطاعين الزراعي الصناعي اللذين يسهمان في تحقيق معدلات عالية من القيمة المضافة وفوائض اقتصادية مرتفعة.
- العمل على تحقيق التوازنات والتناسبات الاقتصادية الكلية (الدخل والاستهلاك، الإنفاق العام والإنفاق الخاص سواء الاستثماري أو الاستهلاكي- الادخار والاستهلاك –الطلب والانتاج –نسبة المديونية الخارجية والزيادات المحتملة في الصادرات…).
- خلق بيئة استثمارية جيدة وجاذبة ودراسة المجالات المطروحة للاستثمارات بدقة دون الاخلال بالقدرات السيادية الوطنية.
- الحاجة إلى نقلة نوعية في تأهيل وإعداد الموارد البشرية كماً ونوعاً والانتقال إلى اقتصاد المعرفة والاستثمار في العنصر البشري.
25
الأزمات تخلق الفرص:
إن تطبيق مقولة “الأزمات تخلق الفرص” على حالتنا السورية مرهون بالبحث عن هذه الفرص وبالعمل الواعي والإرادة الجادة لإيجادها والانتفاع بها واستثمارها.
حيث أن التعامل مع الأزمات يتطلب التفكير السريع وإيجاد عدة بدائل للاختيارات على أن يكون الابتكار والمرونة داعميين أساسيين.
- تكمن فرصتنا في البدء بتأهيل الكوادر البشرية والاستثمار في العنصر البشري للبناء الصحيح ومواكبة التقدم الهائل للعلم والمعرفة لما له من أثر مباشر على الإدارة والأداء الاقتصادي وعلى جودة وعائد استثمار الموارد المادية, فيمكن لموقعنا الجغرافي والبيئة والمناخ أن يتيح لنا تعزيز قطاع الخدمات (ترانزيت. تسويق. مصارف. سياحة) على غرار التجربة الماليزية والإماراتية.
- تتجمع على مستوى العالم رساميل هائلة بحاجة إلى فرص استثمارية جيدة، وتقع فرصتنا في توفير بيئة جاذبة والإعداد الجيد للمشاريع المطلوبة والمجدية والاستفادة من المزايا المتاحة والموقع الجغرافي كعوامل جاذبة للأموال السورية في الخارج ولرؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية إلى سورية, وإمكانية تحقيق التنوع الاقتصادي.
- يؤدي استغلال الثروات الغير مستغلة بالشكل الأمثل المستدام إلى جذب الأموال السورية في الخارج والأموال الأجنبية للاستثمار في سورية, وبالتالي خلق قوة صناعية تنافسية.
- نحن بحاجة إلى القيام بدراسات محلية تفصيلية وتطبيقة تمكننا من خلق قاعدة صلبة، تحول دون جعلنا عرضة لوصفات جاهزة تكرس حالة التبعية والفوضى.
- يتحدد دور الدولة بما فيها من مؤسسات ومنظمات وقوانين وأجهزة, على أسس منطقية وعلمية، وعلى أساس النتائج التي نرغب بالوصول إليها بما يضمن استمرار العملية الاقتصادية وتطورها.
26
-تشكل قوة الاقتصاد عنصراً أساسياً في قوة الدولة، ولا بد من الانطلاق نحو تمكين وضعنا الاقتصادي في هذه الظروف التي تمر بها سورية وفي مواجهة الضغوط والعقوبات.
-لا مفر من دور واضح لكافة القوى الأساسية في المجتمع لقيادة الاقتصاد الوطني بما يضمن استدامة النمو وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم أساساً على كفاءة استخدام الموارد والعدالة في التوزيع والتحسن المستمر لمستوى معيشة ونمط حياة السكان.
الاقتصاد السوري / اقتصاد ال 21/:
يتطلب الانتقال إلى الاقتصاد المنشود عقداً اجتماعياً جديداً بين القوى الأساسية في المجتمع (الدولة – القطاع الخاص – تنظيمات – المجتمع الأهلي ) كما يتطلب تشاركاً فاعلاً في صياغة وتنفيذ عملية وضع الاقتصاد الوطني على الأسس المطلوبة.
إن الإشكالية حول شكل وطبيعة الاقتصاد المنشود، والحوارات الذي تنظمها بعض الجهات سواء أكانت حكومية أم أكاديمية، أم مؤسسات المجتمع المدني، لم تأخذ المسارات الصحيحة بعد، ولم تضع أطراف العملية الاقتصادية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ضمن مفاهيم واضحة وأطر سليمة قابلة للفهم والقبول والتطوير.
ومن الأهمية أن يكون التوجه الاقتصادي مرتبطا بتوجه سياسي فضلاً عن التوجهات الاجتماعية ، فالسياسات الاقتصادية ترسم وخلفها تيار سياسي معين وقوى اجتماعية مما يستوجب علينا وضع حلول عملية لهذه المسألة.
27
** ولأن الاهتمام الكبير من قبل الباحثين والمؤسسات، لم يصل إلى إطار موحد لهوية الاقتصاد، فإن الهدف من هذه الدراسة هو تحقيق حالة تكاملية متطورة لصياغة نموذج اقتصادي على درجة عاليه من المهنية.
تتطلب هذه الفترة فهما دقيقا لواقعنا بكل جوانبه (محلياً وإقليمياً ودولياً) ، ودراسة جيدة ومتكاملة للبناء الهيكلي للاقتصاد السوري الذي نريد، دراسة تقوم على أساس النتائج، بما يمكننا من إعادة ترتيب أولوياتنا وفق مبدأ الكفاءة وتحقيق أعلى منفعة بأقل التكاليف ، وعلى أساس الاستدامة والبحث عن الفرص الجديدة ومن ثم إعداد طروحات سليمة ومنطقية يتم تبنيها من كافة أطياف المجتمع ومؤسساته كافة، مصحوبة ببرامج تنفيذ اضافة لإعداد القوانين والتشريعات لضبط الجوانب القانونية والحقوق والالتزامات والصلاحيات والمسؤوليات.
ولأن المرحلة القادمة مفتوحة على جميع الاحتمالات، فسوف تتنازع مختلف القوى فيما بينها من أجل تحقيق مكاسب أفضل على الأرض.
لذا يجب أن نمتلك وضوح الرؤية والتصميم والإرادة على منع تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد تحكمه الفوضى والعبثية حيث تهيمن قوى السوق ومصالح القلة والفساد على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
– ما هي الأسباب التي دفعت لاقتراح هذا النوع من الاقتصاد..؟ وكيف يمكن تطبيقه؟ وما هي مستلزمات هذا التطبيق؟
إذا كان الهدف الارتقاء بمستوى معيشة الشعب ومعالجة مشاكل الاقتصاد والمجتمع, فهل سيحقق لنا // الاقتصاد المنشود // هذا الهدف؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تطرح علينا سؤالاً: ما هو دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية؟ هذا مع افتراض أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تظل الهدف والوسيلة للمجتمع وبالتالي ما هو شكل الطريق إلى التنمية..؟
28
من هنا تبدو أهمية الحوار حول مصطلح // اقتصاد ال 21 // وخاصةً أهمية البحث عن طريق أو نموذج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة على الذات والمنفتحة على العالم بما لا يتعارض مع استقلالنا الوطني.
يمكن الاستفادة من تجارب جميع دول العالم ولكن لا يمكن نقل النموذج الناجح في بيئة معينة ليلقى نفس النجاح في بيئة أخرى.
لابد لأي نموذج للاقتصاد في أي بلد من أن يراعي خصوصيات هذا البلد كتراثه وتقاليده وعلاقاته الاقتصادية والاجتماعية.
_ لرسم معالم اقتصاد ال21 يجب علينا ما يلي:
- الدفع باتجاه حالة تكاملية بين القطاع العام والخاص وتشاركية بأهداف التنمية.
- القطاع العام والخاص بمفهوم // اقتصاد 21// هما جزء من النظام الاقتصادي ويجب النظر إليهما على أنهما الداعمان الأساسيان لأي تنمية اقتصادية ولا يمكن الاستغناء عن أحد منهما .
– يجب ألا يكون الموقف من القطاع العام مبنياً على خطاب سياسي عفى عليه الزمن، بل من كون القطاع العام يشكل قاعدة هامة في الاقتصاد الوطني مما يستوجب حمايته وتطوير أدائه وإزالة العقبات عن طريقه.
– إن للقطاع الخاص في وطننا تجارب مشرفة وإسهامات جدية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كانت تجربة سورية رائدة مع القطاع الخاص الذي أسهم بعد الاستقلال في بناء اقتصاد متين، وهناك أمثلة حية على مساهمة العديد من المستثمرين في بناء اقتصاد سورية وعلى الدور الأساسي في التنمية، وتمثل في العديد من معامل النسيج والغزل والكونسروه والإسمنت والزجاج وغيرها من مئات الشركات والمنشآت.
29
يشكل القطاع الخاص ركناً أساسياً في نسيج الاقتصاد الوطني, وفي عملية التنمية.
لذلك فإن المجتمع بكامله يدعم إسهام القطاع الخاص في العمل المنتج، وعلى هذا فان ما يجب أن يعرفه القطاع الخاص، أن حمايته الحقيقية تأتي من داخل الوطن.
ومادام هذا القطاع يقوم بدوره الإنمائي المنتج ، فإنه سيلقى كل دعم وتشجيع من الداخل الوطني، فهو ركن أساسي من الوطن ويتحمل مسؤولية هامة في تطوره.
إلا أن هناك عدداً من المهام والتوازنات الاقتصادية لا يستطيع القطاع الخاص أن يقوم بها وكذلك السوق بآلياته المعروفة ، خاصة تلك المهام التي تحتاج إلى تدخل الدولة لتحقيق معادلة النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
بناء نموذج الاقتصاد ال 21:
يرى المتتبع لنمط التطور الاقتصادي في سورية الكثير من جوانب القصور، وكل تقصير يقابله فرصة ضائعة وفوات منفعة، وتآكل واستنزاف وضياع مقدراتنا ومواردنا.
لذلك علينا أن نبدأ أولاً بوضع خطة إنقاذ عاجلة على المدى القصير والمتوسط ( عام إلى خمسة أعوام) لتكون منطلقاً لهدف اقتصادي استراتيجي يبنى على اسس أكثر صلابة.
والأسئلة التالية برسم الدراسة:
- ما النهج أو النمط الاقتصادي الذي يجب أن تتسم به المرحلة القادمة؟
- كيف يمكن أن نرسم اقتصادا سوريا قويا ومستداما ، نظرياً وعملياً بكل ما يتضمنه (إدارياً – ورقابياً – وتصحيحياً) ؟
- ما الحلول العملية للمسألة الاقتصادية الراهنة؟
30
الاقتصاد حالة تفاعلية لمجموعة من المكونات.وإن كان من الأهمية دراسة النظريات التي تنظم العملية الاقتصادية دراسة معمقة، إلا أننا نميل في طور الإعداد إلى عدم التقيد بأطر وتسميات معينة أو استنساخ تجارب الآخرين، وسنتجه إلى تكوين نقطة البدء في بناء النماذج الاقتصادية، وهي الانتقال من التعقيد إلى التبسيط المنطقي واختزال المتغيرات إلى تناسبات سهلة التتبع والتكييف وفق المنهج التجريدي في التحليل الاقتصادي والاستناد إلى الركائز الأربعة التالية والتي تمثل نقاط علام أساسية في النسق الاقتصادي:
-1الاستفادة من كافة الامكانيات وحشد كل الطاقات بتشجيع كافة الفاعلين الاقتصاديين في عملية البناء الاقتصادي.
-2الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية واستثمار الموارد غير المستغلة، والبحث عن فرص للنمو والتنمية والاستفادة القصوى من المزايا النسبية والمطلقة.
-3الانفتاح على الخارج دون الإخلال بالسيادة الوطنية.
-4العنصر البشري هو أساس الحضارة والتطور.
فالحلول العملية للمسألة الاقتصادية تتمحور حول إعادة الاعتبار لدور الدولة التنموي من خلال وضع إطار وبرنامج واضح للاقتصاد على النحو التالي:
-1إعادة النظر بالسياسة المالية والضريبة.
-2إعادة النظر بسياسة الإنتاج الاقتصادي.
-3إعادة النظر بالدور الرقابي للدولة على أسس مدروسة وفعالة.
-4إظهار قوة الدولة وفاعليتها في القضاء على جميع مظاهر الفساد والإفساد.
-5إيجاد نظام يربط الأجور بمستوى الأسعار.
31
مستلزمات بناء نموذج الاقتصاد ال 21:
-1المبادئ التوجيهية:
أهم ما تتضمنه:
-1يقوم الاقتصاد السوري على مبدأ التعددية الاقتصادية المتمثلة بمشاركة القطاعات (عام.خاص.مشترك) في العملية الإنتاجية وفي ملكية وسائل الانتاج.
2- الاستفادة من خاصية التنوع في الاقتصاد السوري والاستفادة من المزايا النسبية والمطلقة من كافة الحوامل الاقتصادية.
3- الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، ومن اقتصاد المديونية إلى الاقتصاد التمويلي.
4- تقوم الدولة بتنظيم السوق ووضع القوانين والتشريعات اللازمة بحيث تحافظ على التوازن الديناميكي للمفاصل الاقتصادية والقدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني، إضافة إلى التوازن بين هدف النمو الاقتصادي وأهداف التنمية الاجتماعية والمناطقية وتحقيق الاستدامة.
5- ضمان تأمين الخدمات الاجتماعية الأساسية لكافة المواطنين ، وضمان تحقيق النفع العام.
6- تحقيق التكامل بين السياسات الاقتصادية العامة والعمل على تحقيق استقرار السياستين المالية والنقدية.
-7 القرار الاقتصادي قرار وطني تشارك في إعداده الجهات الحكومية والتشريعية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وكافة الأطراف ذات الصلة.
– 8تفعيل دور الإعلام الاقتصادي المستقل.
9- تمارس السلطات القضائية عملها باستقلالية وبالسرعة الممكنة بما لا يتعارض مع مبادئ النزاهة والعدالة والشفافية وتساوي الجميع أمام القانون، كما أنها تقوم بموافاة السلطة التشريعية بمراجعة دورية لمنعكس القوانين النافذة على العملية الاقتصادية وبمقترحاتها حيال ذلك.
32
-10 إعادة النظر في مناهج الإعداد العلمي والأكاديمي بما يتوافق مع المعطيات الجديدة، والعناية بالعلوم التطبيقية.
- 2. إعداد الرؤية والسياسات الاقتصادية العامة:
يتم تشكيل فريق عمل وطني وفق مبادئ الكفاءة والتكامل بمشاركة جميع الفاعلين والأطراف الوطنية (حكومية. تشريعية. نقابات. جامعات. اتحاد الغرف. منظمات المجتمع المدني) يتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية.
يتكون الفريق من مجموعة عمل توجيهية على مستوى عالٍ من الخبرة ومن جميع الاختصاصات الفنية والاقتصادية والحقوقية ويتبع لها عدة فرق متخصصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المختلفة والمتعددة.
تقوم هذه الفرق بإعداد دراسات علمية لكافة الجوانب الاقتصادية انطلاقاً من الواقع الحالي وتحديد الاحتياجات الضرورية اللازمة لمرحلة التعافي ومن ثم الانتقال إلى مرحلة البناء على أساس التكامل وتحقيق التوازن في ضوء المبادئ التوجيهية، كما يجب أن يتم تحديد الفرص والتحديات واقتراح البدائل المناسبة.
إقامة دراسات متكاملة حول التوازنات الهيكلية والتناسبات الاقتصادية الكلية (الدخل والاستهلاك، الإنفاق العام والإنفاق الخاص الاستثماري والاستهلاكي- الادخار والاستهلاك –الطلب والإنتاج –نسبة المديونية الخارجية والزيادات المطلوبة في الصادرات لتسديد هذه الديون وفوائدها). تقوم فرق العمل بإنجاز الدراسات المطلوبة ضمن جداول زمنية محددة، ويمكن لها الاستعانة بخبرات إقليمية ودولية.
تنشر الدراسات المعتمدة ويتم إعداد الرؤية والسياسات الاقتصادية العامة استناداً إليها، وتكون السياسة الاقتصادية العامة هي الإطار لإعداد الاستراتيجيات العامة والقطاعية.
33
البرامج المرافقة:
لا يقف بناء النموذج عند تحديد المبادئ التوجيهية وإعداد الرؤية والسياسة الاقتصادية ومن ثم الاستراتيجيات العامة والقطاعية، فالأمور تقاس بنتائجها، ولكي نتمكن من الوصول إلى الأهداف المحددة في الاستراتيجيات لابد من مجموعة برامج مرافقة، وتحديد الأدوات والآليات اللازمة لتنفيذها.
تندرج هذه البرامج في مجملها تحت مسمى “الحوكمة”. وإن حاولنا عدم التقيد بأطر وتسميات معينة أو استنساخ تجارب الآخرين، إلا أن “الحوكمة” مصطلح متداول في بيئة الأعمال، ويجب تحقيقه في جميع التعاملات الاقتصادية.
الحوكمة هي منظومة من العلاقات ذات أبعاد قانونية وتنظيمية ورقابية وتصحيحية، تربط كافة الأطراف أصحاب العلاقة في نهج شمولي متكامل وواضح دون أي تعارض، بحيث تضمن توازن المصالح بين هذه الأطراف ضمن إطار من الشفافية والمصداقية والعدالة والمساءلة.
أخيراً:
قد يدعي البعض بأن النظام الاقتصادي الحالي لا يزال يعمل ويحتاج إلى تعديل هنا وهناك وآخرون يقولون بأنه يعمل فقط من أجل النخبة، وقد آن الوقت لإيجاد أنظمة اقتصادية تعمل للجميع, وهذا شرط لازم وكاف في سيرورة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ولكن نظراً لتعقيد علم الاقتصاد, فالمطلوب مجموعة واسعة من النماذج والتقنيات التي تحكمها العوامل ذات الصلة.
34
بات واضحاً وجلياً طمع بعض الدول المجاورة والبعيدة بثروات سورية الاقتصادية فلكل من هذه الدول طريقة للوصول والتمكن من نفوذ سياسي واقتصادي ومحاولة استثمار مابعد الحرب، وهذا الاستثمار الفوري في مرحلة مابعد الحرب سيفرز مما لاشك فيه الانتاجية الاقتصادية , ولكنه سيوقع الوضع الاقتصادي في خلل كبير في المستقبل.
علينا إعداد خارطة طريق للتحول الاجتماعي والاقتصادي نحو اقتصاد تنموي مستدام وشامل, هذا يقودنا إلى السؤال الاقتصادي الأهم:
- هل يمكن لهذا الاقتصاد أن ينهض من جديد؟
- ماهي عوامل نهوض هذا الاقتصاد؟
علينا تطوير الإمكانيات الاقتصادية المحلية بكافة الاتجاهات بدلاً من الاعتماد على الدول الخارجية, وهناك أمثلة كثيرة بالعالم عانت الأمرين وتكبدت خسائر كبيرة بحروب تعرضت لها.
لكن وبالإيمان والتصميم على النجاح والعمل الدؤوب, استطاعت هذه الدول ان تكون بالمراتب الأولى اقتصادياً واليابان اكبر دليل على ذلك, //بعد ان دمرت بالحرب العالمية الثانية//.
مما لاشك فيه أن الوضع الاقتصادي في سورية بعد الحرب سيكون صعباً، ولكن مع حكم سياسي مستقر مؤمن بالإنسان والإعمار والوحدة, //يمكن للاقتصاد السوري أن ينهض من جديد //.
//عشتم وعاشت سورية//
35