القى رئيس تجمع سورية الام الدكتور محمود العرق محاضرة بعنوان “هوية الاقتصاد السوري اقتصاد /ال 21 /” وذلك خلال الجلسة السابعة من جلسات المؤتمر الاقتصادي الاول الذي عقد في جامعة دمشق تحت عنوان ” نحو رؤية اقتصادية وطنية لسورية المستقبل” يومي السبت والأحد الموافق 16-17 كانون الأول 2017.
وفيما يلي النص الكامل للمحاضرة ..
هوية الاقتصاد السوري اقتصاد /ال 21 /
*بداية لابد من إلقاء الضوء على الوقائع الاقتصادية التي مر بها الاقتصاد السوري وفهمها بشكل دقيق لنتمكن من إيجاد المدخلات والمعطيات السليمة وتحليلها قبل البدء بعملية البناء والتركيب وصياغة نموذج إنمائي متوازن وسليم مدروس بدقة ويتضمن طروح منطقية لمناقشتها على المستوى الوطني ولاعتمادها من قبل جميع الجهات والمستويات والشرائح.
كما أن التحليل الاقتصادي يستند إلى معطيات فترة الاستقرار إضافة إلى التغيرات الطارئة والاستثنائية التي تؤثر أثراً ممتداً وبالغاً على العملية الاقتصادية.
مراحل الاقتصاد السوري منذ الاستقلال السياسي:
مرحلة الاستقلال الأولى: ( النصف الثاني من الأربعينات وخمسينات القرن العشرين ):
اتسمت المرحلة بنظام برلماني, وحالات غير مستقرة بسبب الانقلابات العسكرية لكن من الناحية الاقتصادية, احتضنت الحكومات المتعاقبة القطاع الخاص ومنحته الحماية وشجعته على الاستثمار الصناعي والزراعي فقامت نواة الصناعة السورية ( بتمويل ذاتي, نشأ قسم هام من النشاط خلال الحرب العالمية الثانية ) وادخل للزراعة الآليات الزراعية الحديثة وقامت بزراعة محاصيل واسعة, وعززت إجراءات الحكومة, الاستقلال الاقتصادي رغم عدم الاستقرار السياسي وكانت أهم القرارات الاقتصادية فك ارتباط الليرة السورية بالفرنك الفرنسي – تأميم شركات الكهرباء والتروماي.
مرحلة الوحدة مع مصر: ( 1958– 1961 ):
كان عنوانها الاقتصادي الأساسي: التأميم لأهم الصناعات والإصلاح الزراعي وتدخل الدولة في السوق المحلي ( إحداث وزارة التموين ) وفي هذه المرحلة تنامى القطاع العام إلا أن أخطاء التطبيق لما كان يدعى ( القرارات الاشتراكية ) وغياب الرقابة الشعبية والممارسات التي أقصت القوى والعناصر الوطنية والقومية والتقدمية واعتمدت
على الانتهازيين والوصوليين مما أجهض الوحدة وتجربتها التنموية وسمحت للقوى الخارجية بإنهاء هذه التجربة.
التجربة التنموية في ظل حكم الحزب الواحد:( 1963 – 2013 ):
بدأت في 8 آذار 1963 وانتهت في 2013 عندما صدر الدستور الجديد الذي ألغى المادة الثامنة التي تنص على أن حزب البعث العربي الاشتراكي قائد الدولة والمجتمع, واستبدالها بالتعددية السياسية.
يمكن تقسيم هذه المرحلة إلى عدد من المراحل من الزاوية الاقتصادية, وذلك استناداً إلى التغيرات الحاصلة في السياسات الاقتصادية:
المرحلة الأولى ( 1963 – 1970) تميّزت باتخاذ الحزب والدولة بطابع أحادي غلب عليه التفرد والاستئثار الذي وصل الى حد التشنج. وتميزت هذه المرحلة بسيطرة الدولة على القطاعات الاقتصادية كافة, وأصبح دور القطاع الخاص محدودأ أو مهمشاً.
وفي هذه المرحلة تراجع نمو الاقتصاد وتراجع الإنتاج وتصاعدت الأسعار واضطربت الأسواق الداخلية, انعكاساً لاضطراب الحياة السياسية وعدم استقرارها.
المرحلة الثانية ( 1970 – 2000 ) شهدت الانفتاح والدعوة للمشاركة ورفع شعار التعددية الاقتصادية وشمل الانفتاح العلاقات الخارجية وخاصة بعد حرب 1973 حيث تطورت العلاقات مع الدول العربية وانهالت المعونات المالية العربية الخليجية والليبية واتجهت الخطة الخمسية الثالثة والرابعة للمشاريع التنموية, ورافق ذلك توسعاً في التجارة الحكومية ( الجملة والتجزئة) مع إعطاء هامش واسع للقطاع الخاص.
أقيمت المشاريع التنموية على عجل, ودون دراسات اقتصادية وفنية علمية, وتسرب الفساد إلى طريقة (الإعلان و التعاقد والتنفيذ) وبدا واضحاً سوء تموضع المشاريع الصناعية وانتشارها الجغرافي فقد حظيت محافظات معينة بالعديد منها, في حين
همشت محافظات آخرى, وتميزت هذه المشاريع بسوء التنفيذ وطول فترة الإنجاز والأخطاء الفنية.
ومع توسع القطاع العام ( التجاري والصناعي وأعمال البنية التحتية والمقاولات) حدث تغلغل لأصحاب المصالح والولاءات إلى مواقع المسؤولية في الدولة وفي مؤسسات القطاع العام.
**مع بداية عام 1983 تعرضت البلاد لحصار اقتصادي مابعد حرب 82 وتوقفت المعونات العربية, فوقعت الإدارة المالية والاقتصادية في مشكلة تمثلت في:
- نضوب القطع الأجنبي.
- الحاجة الى استيراد المواد الاستهلاكية ومستلزمات الإنتاج.
- تأخر تنفيذ المعامل المتعاقد عليها والأخطاء الفنية في معظمها.
وهنا برزت الدعوة إلى الانفتاح الاقتصادي , والاستعانة بالقطاع الخاص ليستورد المواد الأولية والاستهلاكية التي عجزت الإدارة الاقتصادية عن تأمين القطع الأجنبي اللازم لها.
ومع بداية التسعينات من القرن الماضي اتخذت مجموعة من الإجراءات الحكومية التي تمنح القطاع الخاص مجموعة من المزايا والتسهيلات والإعفاءات لجذبه للاستثمار, لكن لم يحصل إسهام حقيقي لرأس المال الخاص في التنمية.
فقد توجه الاستثمار بشكل ضعيف للاستثمار بالمنشآت السياحية والخدمات.
المرحلة الثالثة (2000–2011 ):
بدأ الحوار حول الإصلاح الاقتصادي في سورية في عام 2000، حيث تم تشكيل لجنة الـ18, لجنة الـ35 لإصلاح القطاع العام الصناعي ثم مشروع برنامج الإصلاح الذي وضعته لجنة وزارية عام 2002 , ولجنة شكلها رئيس الوزراء عام 2003،
غير أن أياً من التقارير والبرامج التي وضعت لم تعتمد من قبل الجهات الوصائية. بعدها توقفت مساعي وضع برنامج إصلاح اقتصادي. ولكن استمرت جهود التعاون مع الفرنسيين لوضع برنامج للإصلاح الإداري وآخر للقضائي دون أن تثمر هذه الجهود عن نتائج.
في حزيران 2005 وخلال انعقاد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي تبنت القيادة السياسية التوجه نحو «اقتصاد السوق الاجتماعي» . إلا أن المرحلة اتسمت باعتماد الإدارة الاقتصادية على نصائح ومشورة المؤسسات الدولية وأطلق شعار ( تحرير التجارة الخارجية قاطرة النمو ) متزامناً مع الدعوة للانخراط في العولمة والالتحاق بالاقتصاد العالمي.
فكان هذا التحرير وتلك الدعوة بمثابة قاطرة الاقتصاد الوطني نحو الدمار.
في هذه المرحلة تصاعد دور وأهمية رجال الأعمال الجدد التي بدت علاقتهم واضحة مع رموز البيروقراطية ومراكز النفوذ وحصل تراخي وتدهور في مؤسسات القطاع العام بعد أن وقفت البيروقراطية ضد إصلاحه.
وقد ساهم مندوبو البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي في ذلك, فقد لعبوا دوراً في تعميق التوجه نحو اقتصاد السوق, وتقديم التفسيرات الخاطئة حول ” اقتصاد السوق الاجتماعي” وكذلك أجهزة الإعلام الداخلية كان لها دوراً مهماً في الترويج لأفكار اقتصاد السوق وإبراز مساوئ القطاع العام ومحاسن الالتحاق بالاقتصاد العالمي وكانت حصيلة ذلك:
- المزيد من البطالة واتساع دائرة الفقر.
- تزايد الفجوة في المداخيل والثروة وتراكم الثروة بيد فئة قليلة .
- تهميش الريف وزيادة العشوائيات حول المدن الكبيرة .
- توسع اقتصاد الظل.
تراجع النمو الاقتصادي وتزايد العجوزات في الموازين وفي الميزانية العامة.
- انتشار ثقافة الاستهلاك على حساب ثقافة العمل المنتج كسمة من سمات الاقتصاد الريعي أو شبه الريعي .
ومع تزايد التراجع في المؤشرات الإنسانية والاجتماعية (الصحة والتعليم خاصة) تصاعدت حالات اليأس والإحباط لدى قطاعات واسعة من الشعب وخاصةً في الأرياف حيث كان يسود الجهل والفقر, ويضج بدعاة التدين الذين وجدوا أرضا خصبة لأفكارهم.
وبدوره لعب الفساد دورا أساسياً في خلق الأجواء المناسبة لظهور حركات الاحتجاجات التي استغلتها الدوائر الغربية ( الإسرائيلية خاصة ) لتجعل منها حركات مسلحة تعتمد الإرهاب والتكفير في ظل ما أطلق عليه (الربيع العربي).
رغم أن لكل مرحلة سماتها الخاصة إلا أننا نلاحظ أن هناك سمات رافقت جميع المراحل، نذكر منها:
-1ضعف الدراسات الاقتصادية والتحليل الاقتصادي للمنعكسات المستقبلية الناجمة عن القرارات الاقتصادية والسيناريوهات المحتملة والبدائل المتاحة.
-2عدم تكامل السياسات العامة للاقتصاد وعدم التنسيق بين الجهات ذات العلاقة لتجنب حدوث أي اختناقات أو تعارض أو تداخل، وما يترتب على ذلك من اختلالات هيكلة.
-3ضعف نظام المعلومات وملائمة المعلومة، وفقدان المعلومة للمنهجية الصحيحة في إعدادها، إضافة إلى بدائية البرامج والأدوات الإحصائية.
-4التعيينات الوظيفية وعدم البحث على عنصر الكفاءة، وافتقاد الحافز، وسلم الأجور، ….
المرحلة الرابعة: الأزمة في سورية (2011– 2017)
تعرضت سورية خلال السنوات السبع الماضية لأحداث كارثية منذ إطلاق ما روج له بالربيع العربي وتضليل القنوات الإعلامية الموظفة ببث شعارات تعبوية حول : الديمقراطية – الحرية – الكرامة لترسم مشهد خارج كل الفصول والعصور حتى العصر الطباشيري.
وأهم ما اتسم به المشهد الاقتصادي بهذه المرحلة :
–1دمار أغلب المدن والمساكن وتشريد النسبة العظمى من المواطنين بالنزوح إلى مناطق أكثر أمناً في سورية، أو اللجوء إلى الدول الأخرى.
-2دمار البنى التحتية (طرقات – شبكات مياه – شبكات كهرباء..) بنسب متفاوتة وكبيرة.
-3دمار أغلب المنشآت الحيوية (السياحية والخدمية) والمنشأت الصناعية والمعامل وسرقة خطوط الإنتاج والمعدات.
-4إلحاق ضرر كبير بالقطاع الزراعي والثروات الحيوانية.
-5أصبحت الكفاءات والقوى البشرية (من كافة المؤهلات والاختصاصات) بين قتيل وعاجز ومهاجر وآخرون انضموا لصفوف الجيش العربي السوري، في حين هناك من ناله سم الأفعى فتاه وظَّل في سراديب مغلقة تاركاً للدولة السورية وكافة المجتمع السوري مسؤولية وواجب إيجاد المصل المضاد.
كل ذلك أدّى إلى نقص أعداد الخريجين, أما الكوادر التي ما تزال قائمة على عملها فهي غارقة ما بين عبء العمل نتيجة ضغط العمل وأعباء الحياة النفسية والمعنوية والبحث عن دخل إضافي، وما إلى هنالك من تراجع الخدمات الصحية والتعليمية ومنعكسها الاقتصادي على المواطن والاقتصاد.
-6العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية التي نالت بالدرجة الأولى من الطبقات والشرائح الفقيرة فكانت عائقاً أمام تدفق أبسط السلع الأساسية وبالتالي ارتفاع أسعارها نظراً لطلبها الذي يفوق عرضها ، إضافةً إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية وقطع التبديل وعدم توفرها مما انعكس على أسعار المنتج المحلي وجودته.
-7استنزاف المدخرات والاحتياطيات النقدية والمادية، والتضخم الشديد وانخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية، إضافةً إلى نشاط السوق السوداء للعملات الأجنبية.
-8 انخفاض الواردات الحكومية وضعف الجباية والتحصيل، وما قابله انخفاض مستوى الإنفاق العام، والاستثمار العام شبه معدوم.
-9اضطراب حالة الأسواق الداخلية, وتراجع مستوى الرقابة على الجودة والأسعار وتزايد حالات الغش والتدليس, وتزايد حالات التلاعب بقوت الناس ومعاشهم مع انحسار دور القانون وضعف الأداء القضائي وفساده واتساع دائرة المخالفات للنظام العام وتهديد الإنسان السوري بلقمة العيش.
التحديات:
المصاعب التي تواجه الدولة والتي تحد من نموها وتشكل عثرة أمام تقدمها, علينا إيجاد الأساليب المناسبة للتغلب عليها, وذلك للتقليل من آثارها والحد من تحولها إلى مخاطر أو تهديد.
وعليه:
- يجب التغلب على الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب وإعادة تأهيل المنظومات التي ما تزال قائمة, ومن ثم العمل على إعداد استراتيجية البناء والتنمية.
إيجاد النموذج أو نمط اقتصاد بديل أكثر مرونة واستجابة للمتغيرات, ويعمل على الاستثمار الأمثل للإمكانيات المتاحة ورسم سماته ومقوماته على أساس التجديد والتطوير والنتائج التي نرغب بالوصول إليها.
- كسر العزلة ورفع العقوبات الاقتصادية والنجاح في إعادة صياغة العلاقات الخارجية مع المحيط الاقليمي والمحيط الدولي بشكل متوازن وعلى أساس استراتيجي بما يحقق المصالح الوطنية.
- رسم حدود تدخل الدولة على إيجاد أنظمة بديلة لإدارة الاقتصاد بما يعزز المبادرات الفردية ويضمن تحقيق الأرباح والتوسع المنطقي للأعمال في إطار المسؤولية والرعاية الاجتماعية والاستدامة في الإنتاج والاستهلاك.
- مكافحة الفساد والحد من تعطيل أجهزة الدولة والمجتمع، وما يسببه من تخريب النفوس وقتل الروح الوطنية وقدرتها على الانتاج في مختلف الميادين وبالتالي قتل القدرة على الإصلاح.
- إصلاح مؤسسات القطاع العام والمنهجية التي تدار بها وضرورة الفصل بين دور الدولة كتاجر وفاعل اقتصادي في بيئة تنافسية عادلة وشفافة ودورها في إدارة الحياة الاقتصادية وتحقيق التوازن بين كافة أطرافها.
- الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج, مع التركيز على القطاعين الزراعي الصناعي اللذان يسهمان في تحقيق معدلات عالية من القيمة المضافة وفوائض اقتصادية مرتفعة.
- العمل على تحقيق التوازنات والتناسبات الاقتصادية الكلية (الدخل والاستهلاك، الإنفاق العام والإنفاق الخاص سواء الاستثماري أو الاستهلاكي- الادخار والاستهلاك –الطلب والانتاج –نسبة المديونية الخارجية والزيادات المحتملة في الصادرات…).
- خلق بيئة استثمارية جيدة وجاذبة ودراسة المجالات المطروحة للاستثمارات بدقة دون الاخلال بالقدرات السيادية الوطنية.
- الحاجة إلى نقلة نوعية في تأهيل وإعداد الموارد البشرية كماً ونوعاً والانتقال إلى اقتصاد المعرفة والاستثمار في العنصر البشري.
الأزمات تخلق الفرص:
إن تطبيق مقولة “الأزمات تخلق الفرص” على حالتنا السورية؟ مرهونة بالبحث عنه هذه الفرص وبالعمل الواعي والإرادة الجادة لإيجادها والانتفاع بها واستثمارها.
حيث أن التعامل مع الأزمات يتطلب التفكير السريع وإيجاد عدة بدائل للاختيارات على أن يكون الابتكار والمرونة داعميين أساسيين.
- تكمن فرصتنا في البدء بتأهيل الكوادر البشرية والاستثمار في العنصر البشري للبناء الصحيح ومواكبة التقدم الهائل للعلم والمعرفة، لأثره المباشر على الإدارة والأداء الاقتصادي وعلى جودة وعائد استثمار الموارد المادية, فيمكن لموقعنا الجغرافي والبيئة والمناخ أن نعزز قطاع الخدمات (ترانزيت. تسويق. مصارف. سياحة) على غرار التجربة الماليزية والإماراتية.
- أيضا تتجمع على مستوى العالم رساميل هائلة بحاجة إلى فرص استثمارية جيدة وفرصتنا هي توفير بيئة جاذبة والإعداد الجيد للمشاريع المطلوبة والمجدية والاستفادة من المزايا المتاحة والموقع الجغرافي كعوامل جاذبة للأموال السورية في الخارج ولرؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية إلى سورية, وإمكانية تحقيق التنوع الاقتصادي.
- الثروات الغير مستغلة: يؤدي استغلالها بالشكل الأمثل المستدام إلى جذب الأموال السورية في الخارج والأموال الأجنبية للاستثمار في سورية, وبالتالي خلق قوة صناعية تنافسية.
نحن بحاجة إلى القيام بدراسات محلية تفصيلية وتطبيقة تمكننا من خلق قاعدة صلبة، تحول دون جعلنا عرضة لوصفات جاهزة تكرس حالة التبعية والفوضى.
يتحدد دور الدولة بما فيها من مؤسسات ومنظمات وقوانين وأجهزة, على أسس منطقية وعلمية وعلى أساس النتائج التي نرغب بالوصول إليها بما يضمن استمرار العملية الاقتصادية وتطورها.
إن قوة الاقتصاد تشكل عنصراً أساسياً في قوة الدولة ولا بد من الانطلاق نحو تمكين وضعنا الاقتصادي في هذه الظروف التي تمر بها سورية وفي مواجهة الضغوط والعقوبات, لا مفر من دور واضح لكافة القوى الأساسية في المجتمع لقيادة الاقتصاد الوطني, بما يضمن استدامة النمو وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم أساساً على كفاءة استخدام الموارد والعدالة في التوزيع والتحسن المستمر لمستوى معيشة ونمط حياة السكان.
الاقتصاد السوري / اقتصاد ال 21/:
يتطلب الانتقال إلى الاقتصاد المنشود عقداً اجتماعياً جديداً بين القوى الأساسية في المجتمع (الدولة – القطاع الخاص – تنظيمات – المجتمع الأهلي ) كما يتطلب تشاركاً فاعلاً في صياغة وتنفيذ عملية وضع الاقتصاد الوطني على الأسس المطلوبة.
إن الإشكالية حول شكل وطبيعة الاقتصاد المنشود, والحوار الذي تنظمه بعض الجهات سواء الحكومية أو الأكاديمية, أو مؤسسات المجتمع المدني, لم تأخذ المسارات الصحيحة بعد,
ولم تضع أطراف العملية الاقتصادية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ضمن مفاهيم واضحة وأطر سليمة قابلة للفهم والقبول والتطوير.
ومن الأهمية أن يكون التوجه الاقتصادي مرتبط بتوجه سياسي فضلاً عن التوجهات الاجتماعية فالسياسات الاقتصادية ترسم وخلفها تيار سياسي معين, وقوى اجتماعية معينة, مما يستوجب علينا وضع حلول عملية لهذه المسألة.
** ولأن الاهتمام الكبير من قبل الباحثين والمؤسسات, لم يصل إلى إطار موحد لهوية الاقتصاد, فإن الهدف من هذه الدراسة هو تحقيق حالة تكاملية متطورة لصياغة نموذج اقتصادي على درجة عاليه من المهنية.
المطلوب خلال هذه الفترة فهم واقعنا بكل جوانبه (محلياً وإقليمياً ودولياً) فهماً دقيقاً ودراسة البناء الهيكلي للاقتصاد السوري الذي نريد دراسة جيدة ومتكاملة على أساس النتائج بما يمكننا من إعادة ترتيب أولوياتنا وفق مبدأ الكفاءة وتحقيق أعلى منفعة بأقل التكاليف وعلى أساس الاستدامة والبحث عن الفرص الجديدة ومن ثم إعداد طروحات سليمة ومنطقية يتم تبنيها من كافة أطياف المجتمع ومؤسساته كافة، مصحوبة ببرامج تنفيذ اضافة لإعداد القوانين والتشريعات لضبط الجوانب القانونية والحقوق والالتزامات والصلاحيات والمسؤوليات.
ولأن المرحلة القادمة مفتوحة على جميع الاحتمالات, سوف تتنازع مختلف القوى فيما بينها من أجل تحقيق مكاسب أفضل على الأرض.
لذا يجب أن نمتلك وضوح الرؤية والتصميم والإرادة على منع تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد تحكمه الفوضى والعبثية حيث تهيمن قوى السوق ومصالح القلة والفساد على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
_ ما هي الأسباب التي دفعت لاقتراح هذا النوع من الاقتصاد..؟ وكيف يمكن تطبيقه؟ وما هي مستلزمات هذا التطبيق؟
إذا كان الهدف الارتقاء بمستوى معيشة الشعب ومعالجة مشاكل الاقتصاد والمجتمع, فهل سيحقق لنا // الاقتصاد المنشود // هذا الهدف؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تطرح علينا سؤالاً, ما هو دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية؟ هذا مع افتراض أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تظل الهدف والوسيلة للمجتمع وبالتالي ما هو شكل الطريق للتنمية..؟
من هنا تبدو أهمية الحوار حول مصطلح // اقتصاد ال 21 // وخاصةً أن أهمية البحث عن طريق أو نموذج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة على الذات والمنفتحة على العالم بما لا يتعارض مع استقلالنا الوطني.
يمكن الاستفادة من تجارب جميع دول العالم ولكن لا يمكن نقل النموذج الناجح في بيئة معينة ليلقى نفس النجاح في بيئة أخرى.
لابد لأي نموذج للاقتصاد, في أي بلد من أن يراعي خصوصيات هذا البلد, تراثه وتقاليده, وعلاقاته الاقتصادية والاجتماعية.
_ لرسم معالم اقتصاد ال21 يجب علينا ما يلي:
- الدفع باتجاه حالة تكاملية بين القطاع العام والخاص, وتشاركية بأهداف التنمية.
- القطاع العام والخاص بمفهوم // اقتصاد 21// هما جزء من النظام الاقتصادي ويجب النظر لهما على أنهما الداعمان الأساسيان لأي تنمية اقتصادية ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما.
– يجب ألا يكون الموقف من القطاع العام مبنياً على خطاب سياسي عفى عليه الزمن, بل من كون القطاع العام يشكل قاعدة هامة في الاقتصاد الوطني, مما يستوجب حمايته وتطوير أدائه, وإزالة العقبات عن طريقه.
– إن القطاع الخاص في وطننا لديه تجارب مشرفة وإسهامات جدية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كانت تجربة سورية رائدة مع القطاع الخاص الذي أسهم بعد الاستقلال في بناء اقتصاد متين, وهناك أمثلة حية على مساهمة العديد من المستثمرين في بناء اقتصاد سورية, وعلى الدور الأساسي في التنمية, وتمثل في العديد من معامل النسيج والغزل والكونسروه والإسمنت والزجاج وغيرها من مئات الشركات والمنشآت.
يشكل القطاع الخاص ركناً أساسياً في نسيج الاقتصاد الوطني, وفي عملية التنمية.
لذلك فإن المجتمع بكامله يدعم إسهام القطاع الخاص في العمل المنتج, وعلى هذا فان ما يجب أن يعرفه القطاع الخاص, أن حمايته الحقيقية تأتي من داخل الوطن.
ومادام هذا القطاع يقوم بدوره الإنمائي المنتج سيلقى كل دعم وتشجيع من الداخل الوطني فهو ركن أساسي من الوطن ويتحمل مسؤولية هامة في تطوره.
إلا أن هناك عدداً من المهام والتوازنات الاقتصادية لا يستطيع القطاع الخاص أن يقوم بها وكذلك السوق بآلياته المعروفة أن يقوم بها, خاصة تلك المهام التي تحتاج إلى تدخل الدولة لتحقيق معادلة النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
بناء نموذج الاقتصاد ال 21:
يرى المتتبع لنمط التطور الاقتصادي في سورية الكثير من جوانب القصور، وكل تقصير يقابله فرصة ضائعة وفوات منفعة، وتآكل واستنزاف وضياع مقدراتنا ومواردنا.
لذلك نبدأ أولاً بوضع خطة إنقاذ عاجلة على المدى القصير والمتوسط ( عام إلى خمسة أعوام) بحيث تكون منطلقاً لهدف اقتصادي استراتيجي يبنى على اسس أكثر صلابة.
والأسئلة التالية برسم الدراسة:
- ما النهج أو النمط الاقتصادي الذي يجب أن تتسم به المرحلة القادمة؟
- كيف يمكن أن نرسم اقتصاد سوري قوي ومستدام نظرياً وعملياً بكل ما يتضمنه (إدارياً – ورقابياً – وتصحيحياً) ؟
- ما الحلول العملية للمسألة الاقتصادية الراهنة؟
الاقتصاد حالة تفاعلية لمجموعة من المكونات وإن كان من الأهمية دراسة النظريات التي تنظم العملية الاقتصادية دراسة معمقة إلا أننا نميل في طور الإعداد إلى عدم التقيد بأطر وتسميات معينة أو استنساخ تجارب الآخرين، وسنتجه إلى تكوين نقطة البدء في بناء النماذج الاقتصادية الانتقال من التعقيد إلى التبسيط المنطقي واختزال المتغيرات إلى تناسبات سهلة التتبع والتكييف – وفق المنهج التجريدي في التحليل الاقتصادي
والاستناد إلى الركائز الأربعة التالية والتي تمثل نقاط علام أساسية في النسق الاقتصادي:
-1الاستفادة من كافة الامكانيات وحشد كل الطاقات بتشجيع كافة الفاعلين الاقتصاديين في عملية البناء الاقتصادي.
-2الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية واستثمار الموارد غير المستغلة, والبحث عن فرص للنمو والتنمية والاستفادة القصوى من المزايا النسبية والمطلقة.
-3الانفتاح على الخارج دون الإخلال بالسيادة الوطنية.
-4العنصر البشري هو أساس الحضارة والتطور.
فالحلول العملية للمسألة الاقتصادية تتمحور حول إعادة الاعتبار لدور الدولة التنموي من خلال وضع إطار وبرنامج واضح للاقتصاد على النحو التالي:
-1إعادة النظر بالسياسة المالية والضريبة.
-2إعادة النظر بسياسة الإنتاج الاقتصادي.
-3إعادة النظر بالدور الرقابي للدولة على أسس مدروسة وفعالة.
-4إظهار قوة الدولة وفاعليتها في القضاء على جميع مظاهر الفساد والإفساد.
-5إيجاد نظام يربط الأجور بمستوى الأسعار.
مستلزمات بناء نموذج الاقتصاد ال 21:
-1المبادئ التوجيهية:
أهم ما تتضمنه:
-1يقوم الاقتصاد السوري على مبدأ التعددية الاقتصادية المتمثلة بمشاركة القطاعات(عام.خاص.مشترك) في العملية الإنتاجية وفي ملكية وسائل الانتاج.
2- الاستفادة من خاصية التنوع في الاقتصاد السوري والاستفادة من المزايا النسبية والمطلقة من كافة الحوامل الاقتصادية.
3- الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، ومن اقتصاد المديونية إلى الاقتصاد التمويلي.
4- تقوم الدولة بتنظيم السوق ووضع القوانين والتشريعات اللازمة بحيث تحافظ على التوازن الديناميكي للمفاصل الاقتصادية والقدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني، إضافة إلى التوازن بين هدف النمو الاقتصادي وأهداف التنمية الاجتماعية والمناطقية وتحقيق الاستدامة.
5- ضمان تأمين الخدمات الاجتماعية الأساسية لكافة المواطنين ، وضمان تحقيق النفع العام.
6- تحقيق التكامل بين السياسات الاقتصادية العامة والعمل على تحقيق استقرار السياستان المالية والنقدية.
-7 القرار الاقتصادي قرار وطني تشارك في إعداده الجهات الحكومية والتشريعية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وكافة الأطراف ذات الصلة.
– 8تفعيل دور الإعلام الاقتصادي المستقل.
9- تمارس السلطات القضائية عملها باستقلالية وبالسرعة الممكنة بما لا يتعارض مع مبادئ النزاهة والعدالة والشفافية وتساوي الجميع أمام القانون، كما أنها تقوم بموافاة السلطة التشريعية بمراجعة دورية لمنعكس القوانين النافذة على العملية الاقتصادية وبمقترحاتها حيال ذلك.
-10 إعادة النظر في مناهج الإعداد العلمي والأكاديمي بما يتوافق مع المعطيات الجديدة، والعناية بالعلوم التطبيقية.
- 2. إعداد الرؤية والسياسات الاقتصادية العامة:
يتم تشكيل فريق عمل وطني وفق مبادئ الكفاءة والتكامل بمشاركة جميع الفاعلين والأطراف الوطنية (حكومية. تشريعية. نقابات. جامعات. اتحاد الغرف. منظمات المجتمع المدني) يتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية
يتكون الفريق من مجموعة عمل توجيهية على مستوى عالٍ من الخبرة ومن جميع الاختصاصات الفنية والاقتصادية والحقوقية يتبع لها عدة فرق متخصصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المختلفة والمتعددة.
تقوم هذه الفرق بإعداد دراسات علمية لكافة الجوانب الاقتصادية انطلاقاً من الواقع الحالي وتحديد الاحتياجات الضرورية اللازمة لمرحلة التعافي ومن ثم الانتقال إلى مرحلة البناء على أساس التكامل, وتحقيق التوازن في ضوء المبادئ التوجيهية، كما يجب أن يتم تحديد الفرص والتحديات واقتراح البدائل المناسبة.
تعد دراسة متكاملة حول التوازنات الهيكلية والتناسبات الاقتصادية الكلية (الدخل والاستهلاك، الإنفاق العام والإنفاق الخاص الاستثماري والاستهلاكي- الادخار والاستهلاك –الطلب والإنتاج –نسبة المديونية الخارجية والزيادات المطلوبة في الصادرات لتسديد هذه الديون وفوائدها). تقوم فرق العمل بإنجاز الدراسات المطلوبة ضمن جداول زمنية محددة، ويمكن لها الاستعانة بخبرات إقليمية ودولية.
تنشر الدراسات المعتمدة ويتم إعداد الرؤية والسياسات الاقتصادية العامة استناداً لها، وتكون السياسة الاقتصادية العامة هي الإطار لإعداد الاستراتيجيات العامة والقطاعية.
البرامج المرافقة:
لا يقف بناء النموذج عند تحديد المبادئ التوجيهية وإعداد الرؤية والسياسة الاقتصادية ومن ثم والاستراتيجيات العامة والقطاعية، فالأمور تقاس بنتائجها، ولكي نتمكن من الوصول إلى الأهداف المحددة في الاستراتيجيات لابد من مجموعة برامج مرافقة، وتحديد الأدوات والآليات اللازمة لتنفيذها.
تندرج هذه البرامج في مجملها تحت مسمى “الحوكمة”. وإن حاولنا عدم التقيد بأطر وتسميات معينة أو استنساخ تجارب الآخرين، إلا أن “الحوكمة” مصطلح متداول في بيئة الأعمال، ويجب تحقيقه في جميع التعاملات الاقتصادية.
الحوكمة هي منظومة من العلاقات ذات أبعاد قانونية وتنظيمية ورقابية وتصحيحية، تربط كافة الأطراف أصحاب العلاقة في نهج شمولي متكامل وواضح دون أي تعارض، بحيث تضمن توازن المصالح بين هذه الأطراف ضمن إطار من الشفافية والمصداقية والعدالة والمساءلة.
أخيراً:
قد يدعي البعض بأن النظام الاقتصادي الحالي لا يزال يعمل ويحتاج إلى تعديل هنا وهناك وآخرون يقولون بأنه يعمل فقط من أجل النخبة – وقد آن الوقت لإيجاد أنظمة اقتصادية تعمل للجميع, وهذا شرط لازم وكافي في سيرورة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ولكن نظراً لتعقيد علم الاقتصاد, فالمطلوب مجموعة واسعة من النماذج والتقنيات التي تحكمها العوامل ذات الصلة.
بات واضحاً وجلياً طمع بعض الدول المجاورة والبعيدة بثروات سورية الاقتصادية فلكل من هذه الدول طريقة للوصول والتمكن من نفوذ سياسي واقتصادي ومحاولة استثمار مابعد الحرب – هذا الاستثمار الفوري في مرحلة مابعد الحرب سيفرز مما لاشك فيه الانتاجية الاقتصادية , ولكن سيوقع الوضع الاقتصادي في خلل كبير في المستقبل.
علينا إعداد خارطة طريق للتحول الاجتماعي والاقتصادي نحو اقتصاد تنموي مستدام وشامل, هذا يقودنا إلى السؤال الاقتصادي الأهم:
- ممكن لهذا الاقتصاد أن ينهض من جديد؟
- ماهي عوامل نهوض هذا الاقتصاد؟
علينا تطوير الإمكانيات الاقتصادية المحلية بكافة الاتجاهات بدلاً من الاعتماد على الدول الخارجية, وهناك أمثلة كثيرة بالعالم عانت الأمرين وتكبدت خسائر كبيرة بحروب تعرضت لها.
لكن الإيمان والتصميم على النجاح والعمل الدؤوب, استطاعت هذه الدول ان تكون بالمراتب الأولى اقتصادياً واليابان اكبر دليل على ذلك, //بعد ان دمرت بالحرب العالمية الثانية//.
مما لاشك فيه أن الوضع الاقتصادي في سورية بعد الحرب سيكون صعباً, ولكن مع حكم سياسي مستقر مؤمن بالإنسان والإعمار والوحدة, //يمكن للاقتصاد السوري أن ينهض مجدداً//.
//عشتم وعاشت سورية//