ركزت الجلسة الأولى من المؤتمر الاقتصادي الاول الذي يقيمه تجمع “سورية الأم” تحت عنوان “نحو رؤية اقتصادية وطنية لسورية المستقبل” والتي ترأسها الدكتور عابد فضلية حول التطورات في النظام الاقتصادي العالمي وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية في سورية ، وذلك خلال محاضرة تحت عنوان ” التطورات في النظام الاقتصادي العالمي وتأثيراتها على إعادة الإعمار والتنمية في سورية، للباحث الاقتصادي اللبناني الدكتور جورج قرم، وتناولت الورقة طبيعة النظام الاقتصادي العالمي والتطورات المختلفة فيه وتأثيراتها على إعادة إعمار سورية من خلال النقاط التالية:
- التغيرات في تراتب القوة الاقتصادية الحقيقية للقوى الكبرى في العالم (الولايات المتحدة، الصين، الهند، اليابان، روسيا، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، البرازيل، المكسيك) ومدى استجابة النظام الاقتصادي الدولي ومؤسساته لتلك التغيرات،
- أزمة النظام النقدي الدولي المُؤسس على حقائق انتهت منذ نصف قرن وكيفية التعامل معه وإصلاحه على قواعد العدالة والتكافؤ،
- مجموعة “بريكس” ومبادرة الحزام والطريق كبوادر للضغط على النظام الاقتصادي الدولي لإصلاحه أو بناء نظام بديل، والكيفية التي يمكن من خلالها إصلاح النظام الاقتصادي الدولي أو تغييره،
- خيارات التوزيع الجغرافي للعلاقات الاقتصادية الخارجية لسورية على ضوء التغيرات في البيئة الاقتصادية الدولية وحقائق العلاقات الدولية والإقليمية لسورية خلال الحرب ضد الحملة الإرهابية الغربية-الخليجية-التركية، و
- الخبرات العالمية من ناحية السياسات والتطبيقات في إعادة إعمار ما خربته الحروب وكيفية الاستفادة منها في إعادة إعمار سورية.
بينما كان البحث الثاني من الجلسة الأولى بعنوان ” مقاربة الاقتصاد العربي بعد الحروب وحركات الاحتجاج وتأثيراتها المتبادلة” للدكتور د.عبد الحليم فضل الله ، ذكر فيه إن الاقتصاديات العربية تعاني منذ نيل دولها الاستقلال من مشاكل وأزمات بنيوية طويلة الأمد، كانت لها آثار اجتماعية وذيول سياسية، ولعل أخطرها ما تمر به المنطقة حالياً من حروب وتدخلات خارجية ونزاعات دامية. وأضاف أن من مؤشرات هذه الأزمة على سبيل المثال أنّ متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي في الدول العربية غير النفطية يقارب نصف معدله العالمي، وأن معدل الاستثمار إلى الناتج انخفض خلال أربعة عقود ست نقاط مئوية (من 30 بالمائة إلى حوالي 23 بالمائة) فيما زادت النسبة في المدة نفسها في الدول متوسطة الدخل من 25 بالمائة إلى 30 بالمائة، وفي البلدان الفقيرة من 13 بالمائة إلى 24 بالمائة.
وأشار المحاضر الى أن انزلاق الاقتصادات العربية نزولاً على سلم التنمية هو نتيجة إخفاق مقاربتي التنمية التي اعتمدتها دولنا خلال مرحلتين من تاريخها المعاصر. في الربع الثالث من القرن العشرين وما بعده بقليل، سادت مقاربة التخطيط المركزي التي أعطت الدولة دوراً اقتصادياً محورياً.نجحت هذه المقاربة جزئيًا في تعميم بعض الخدمات والمنافع والضمانات الاجتماعية، لكنها فشلت في إعطاء دفعة قوية Big Push تنتشل الاقتصاد من مستنقع التخلف. وابتداء من النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، هبت رياح الليبرالية الجديدة بصفتها الطريق الأسهل لتجاوز الاقتصادات الغربية أزمة الركود الغارقة فيه، مستفيدة في ذلك من اضطراب موازين القوى الدولية على وقع زعزعة المعسكر الاشتراكي وسقوطه. فشلت الوصفات التي حملتها المؤسسات الدولية وتعاليمها في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بل زادتها حدة وتدهوراً، وأضافت إليها مشاكل أخرى أبرزها:العجز المالي والمديونية العامة، ومشاكل الميزان التجاري وميزان المدفوعات.. وغيرها.
وأوضح الدكتور فضل الله أن ذلك انعكس على تجارب إعادة الاعمار التي خاضتها دول عربية عانت من النزاعات والحروب وأخفقت في تحقيق أهدافها. هذا ما رأيناه في لبنان مثلاً الذي راكم ديونا عامة تساوي مرة ونصف من ناتجه، لكنه لم يتمكن حتى الآن من حل مشاكل البنى التحتية الأساسية فيه. وما ينطبق على لبنان ينطبق على بلدان أخرى كالعراق الذي لم يتخلص بعد من أعباء الحرب والاحتلال على الرغم من ثروته النفطية ووفرة موارده البشرية ومئات مليارات الدولارات التي أنفقها خلال عقد ونصف من الزمن في مجالات عدة.
وتابع أنه من الواضح أنّ المشكلة الاقتصادية في العالم العربي هي بالأساس مشكلة اقتصاد سياسي أكثر منها مشكلة قدرات وإمكانات. معظم الدول العربية غير النفطية عالقة في ما يعرف بـ”فخ الدخل المتوسط” أو “فخ الفقر”، فيما تعاني الدول النفطية من عدم مساواة في التعليم وفي توزيع الريوع وفي النفاذ إلى أسواق التمويل، كما أنها ليست بمنأى عن مظاهر العوز والفاقة. وجميع هذه الدول، النفطية منها وغير النفطية، تعاني من معدلات فساد عالية وغياب حكم القانون وضعف فعالية الاستثمار إن وجد نتيجة غياب التنسيق المسبق بين مجالاته وضعف التكامل بين برامجه ومشروعاته.
وذكر أن المنطقة العربية عرفت أنواعاً عدة من الدول، الدولة الضارية داخلياً والتابعة خارجياً، والدولة الصلبة التي تمتلك بيروقراطيات فعالة تنفيذياً لكنها ضعيفة الاندماج بالمجتمع، بيد أننا لم نعرف بعد الدولة القوية التي المتغلغلة في “البنية التحتية للمجتمع” بحيث تكون قادرة على أن توجهه برفق، أو و أو أبأقل قدر من الضغط والإكراه، نحو أهدافها في التقدم والتحديث.
وطرح الدكتور فضل الله أسئلة تفيد في تخطى مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية؟ وبأي نوع من الدول؟ وما هو منظور التنمية المناسب لبلداننا في مرحلة الأزمة والحرب وما بعدها ؟ وما هي المقاربة المطلوبة لمواجهة تحديات البناء وإعادة الإعمار؟
وتلا الجلسة أسئلة ومداخلات من الحضور