في الحروب الجائرة.. التي تفرض على الشعوب وعلى الدول تكون النتائج كارثية بالمجمل.. حيث لامنتصر فيها.. الجميع خاسر ولو بشكل نسبي بين من يقول انه انتصر وبين الطرف الآخر.. لحظة الحقيقة تبدأ.. بعد هدوء صوت الرصاص والمآسي التي كانت مختفية أثناء المعارك والتي تبدأ بالظهور… والجميع منتصرا كان ام خاسرا يبدأ برؤية الواقع الحقيقي الموضوع فيه.. وتبدأ المشاكل والمعضلات تتجسم أمام الجميع.. وكل الوهم الذي كان يباع في أسواق الشعارات وتحت أزيز الرصاص.. يتلاشى.. أمام الحقيقة.. الحقيقة التي تصبح مرئية للجميع..
ومن بعض الحقائق المنسية أثناء الحروب.. فقدان السيادة.. الداخلية والخارجية.. وتلاشي قبضة الدولة وتنفيذها للقوانين… تغير الحدود..جغرافيا وديموغرافيا.. الهجرة والنزوح بكافة أشكالها.. الدمار المتوزع في كل مكان.. انهيار الاقتصاد.. والعملة المحلية.. تراكم الدين الخارجي والداخلي والتضخم المالي.. ظهور مايسمى باقتصاد الحرب ورجالاته وإضافة طبقة جديدة في المجتمعات التي نمت وترعرعت على حساب التجارة البينية بين الأطراف المتحاربة… أضف الى ذلك تفكك المجتمعات.. ظهور العصابات المسلحة.. ظهور مليشيات حرب تمارس الجريمة المنظمة.. وأحيانا كثيرة وجود احتلال مفرد أو متعدد الجهات.. إضافة للضحايا والمفقودين والمعتقلين وجرحى الحرب.. كل ذلك ينتج مفاهيم وقيم جديدة تطغى على سلوك الأفراد وغالبا ماتكون هذه القيم فاسدة كفساد الحروب…..
كان لابد من هذه المقدمة الطويلة نوعا ما لندرك ضخامة وجسامة مانحن فيه… الآن.. وبعد ما يزيد على ثماني سنوات من الحرب والتي باتت في نهاياتها كما يأمل الجميع مثلي لابد أن نتخلى عن الوهم.. وعن الحياة الطبيعية الموهومة التي نعتقد أننا نعيشها ولابد من التفكير بجرأة.. وأن نضع برسمنا جميعا السؤال المركزي والأساسي.. إلى أين.. سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.. ولابد لكل ذلك من وجود ادارة جادة وصريحة وجريئة.. إن كان على المستوى الشعبي.. أو على مستوى الدولة وإداراتها المتعددة.. ولابد من تعاون الجميع للإجابة عن هذا السؤال.. على المستوى السياسي هناك هدفين أساسيين كيف نعيد تشكيل الدولة ومؤسساتها وماهو شكل الدولة الجديد ولن نبيع الوهم مرة اخرى لأنفسنا ونقول سنرجع بنفس العقلية والشعارات والرموز التي كنا عليها سابقا والتي أدت لهذه الحرب.. فالمرحلة الماضية يجب ان تنتهي وأن نبدأ بصياغة شكل جديد للدولة.. بغض النظر عن الأسماء والأشخاص.. فالتمييز هنا بين صاحب الكفاءة والمختص والتكنوقراط.. على المستوى الإقتصادي لابد من تدوير عجلة الإنتاج الحقيقي ليعطي اقتصاد حقيقي ونمو حقيقي.. وليس اقتصادا ريعيا.. ونموا زائفا..
فالاقتصاد الحقيقي يأتي من القدرات البشرية وماكانت تنتجه واختفى باندلاع الحرب وعليه فإن العودة الغير مشروطة لكل من غادر فرديا او مع منشأته او مع نشاطه الإقتصادي الفردي او الجماعي.. هو بادئة الانتاج ورفع مستوى الإقتصاد.. الامر الثاني هو رفع يد الدولة تماما عن الاقتصاد الخاص واعطاءه الحرية الكاملة والغير مشروطة بإنشاء كل مايتعلق بإعادة الإعمار ونمو الاقتصاد فقط وليس بشركات ومشاريع لالون ولاطعم لها.. كالتي نراها الآن وفتح باب التصدير ومحاولة تخفيف البطالة.. ابتداء من دعم المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة الى المتوسطة والكبيرة… دعم القطاع العام المفيد والمنتج وإلغاء ماسواه من مؤسسات خاسرة وإرساء قبضة الدولة عليه تماما… حرية الحوالات والسيولة المالية الداخلة الى البلد دون قيد او شرط ومنع خروجها.. الحرية المالية وتحرير سعر العملة الصعبة.. لإلغاء السوق السوداء تماما.. دعم الفلاح والزراعة بشكل فعلي..تشجيع الاستثمار المحلي والدولي والمدروس لكل مايخدم الإقتصاد…..
كل هذا إضافة الى دعم القطاع التعليمي والطبي. اما على المستوى الإجتماعي فإن العدالة الحقيقية لوحدها كافية لجبر الضرر والبدء بالخروج من حالة التشظي التي وصلت اليه المجتمعات.. اخيرا يجب ان يبقى هاجس الأمن والأمان الشغل الشاغل للدولة فهو يحرك عجلة الإقتصاد.. كل ماذكر سابقا هو تأسيس لإعادة الإعمار الحقيقية والفعلية.. إن كان في الحجر أو البشر….
وأنا كفرد من الشعب لي ثقة مطلقة بالسوريين وإبداعهم وقدرتهم على انتشال انفسهم ووطنهم مما أصابه.. فالخيول السورية معقود في نواصيها.. الخير.
رئيس تجمع سورية الام
د. محمود العرق بتصرف